تحب المرأة التي في داخلها مهما كانت صفاتها: مغامرة، طموحة، خائفة، بحاجة إلى الأمان.. كل النساء في العالم يعانين من عدة أمور مختلفة، وكل واحدة تتمتّع بغموض وسحر خاصّين بها لا تشبه سواها.. لذلك تعيش سوزان تلحوق مرحلة تجدّد مستمرة، لأدوار تتطلب قدرة ابتكار متجددة للتأقلم مع الظروف المختلفة.
ترى نفسها تجربة لاحتضان كل جديد، تجربة للحب والقبول والاحتراف والاعتراف، بأن كل هذه الأدوار التي تقوم بها، هي جزء من الـمرأة الناجحة، المرأة الأم، المرأة المحبّة، المرأة الخائفة، المرأة الضعيفة.. حتى الفتاة الصغيرة التي ترعرعت ونشأت على أمور ومفاهيم معينة.. كل هذا أدى إلى أن يكون لديها شخصية مميزة.. من هنا تقول لـ«سيدتي.نت»: "لستُ امرأة واحدة".. لأن حياتها هي قصة تحقيق الاحتضان والقبول والحب غير المشروط.
أحب المرأة التي في داخلي
- شاعرة لكِ ديوانان وحائزة على شهادة ماجستير في الفيزياء.. سلكتِ مساراً مهنياً مختلفاً؛ حيث إنكِ أصبحت خبيرة تواصل وعلاقات عامة، وكاتبة ومتحدّثة في العديد من المحافل الدولية.. كما أسّستِ جمعية "فعل أمر" غير الحكومية، التي تهدف إلى إبراز أهمية لغة الأم في الإبداع والإنتاج والحفاظ على الهوية، بالإضافة إلى أنكِ عضو مجلس في جمعية السيدات القياديات.. كل هذه الصفات في امرأة واحدة، ماذا تقولين؟
"لستُ امرأة واحدة" عنوان ديوان أصدرته عام 2008؛ أي منذ 14 عاماً، وكان وقتها مجرد عنوان جميل ولافت.. وبعد مرور هذه السنوات عندما أقرأ هذا العنوان، أعترف بالفعل لنفسي بأنني لست امرأة واحدة؛ بل أنا امرأة تقوم بعدّة أدوار، وتريد احتضانها جميعها، مع العلم بأنه بداخل كل واحدة منهن شخصية فتاة صغيرة.
لا شكّ أنه لكل مرحلة من مراحل العمر دورها الخاص بها ودهاليزها ومعارفها وأفكارها.. فأنا أحب المرأة التي في داخلي مهما كانت صفاتها: مغامرة، طموحة، خائفة، بحاجة إلى الأمان.. كل النساء في العالم يعانين من عدة أمور مختلفة، وكل واحدة تتمتّع بغموض وسحر خاصّين بها لا تشبه سواها؛ لذلك تعيش المرأة مرحلة تجدّد وإبداع مستمرة لأدوار وشخصيات للتأقلم معها؛ فأنا أرى نفسي تجربة لاحتضان كل جديد، تجربة للحب والقبول والاحتراف والاعتراف، بأن كل هذه الأدوار التي أقوم بها، هي جزء مني.. حتى الفتاة الصغيرة التي ترعرعت ونشأتْ على أمور ومفاهيم معينة.. كل هذا أدّى إلى أن أكون ما أنا عليه اليوم.. من هنا أقول إنني "لستُ امرأة واحدة"؛ لأن حياتي هي قصة تحقيق الاحتضان والقبول والحب غير المشروط.
تعرّفي إلى الفَرق بين التعبير والإنشاء من خلال هذا الرابط.
- أنتِ سفيرة اللغة العربية، وصاحبة مقولة: "مين قال إذا حكينا بالعربي منبطّل كول".. ما هي برأيكِ المرتبة التي تحتلها اللغة العربية اليوم، أو إلى أين وصلت في ظل هذا التطوّر السريع الذي يشهده العالم في شتى المجالات؛ خاصة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؟
موضوع اللغة العربية وجمعية "فعل أمر" بالنسبة إليّ، مهم كثيراً؛ لأنه لا يجوز الابتعاد عنها بشكل غير طبيعي بسبب التطوّر التكنولوجي والتحوّل إلى الثقافات العديدة في الحياة، وهو أمر نشهده في هذا الكون في كل ثانية نعيشها من تغيير.. لذلك يجب أن نكون واعين كثيراً لهذا التغيّر وللجهة التي "يجرّنا" باتجاهها.
عندما أتحدّث لغة ثانية غير لغتي الأم، هذا "ليس كول" بل حسب ما تقتضيه المناسبة؛ أي في عالم الأعمال، هناك لغة عالمية لا يمكن تجنبها.. ولكن لا يجب أن تدلّ هذه اللغة على ثقافة معينة أو مستوًى معين؛ لأن اللغة اليوم باتت مرتبطة بمستوًى ثقافي واجتماعي ومظهر معين، وهذا ما جعلني أتحرّك باتجاه هذا الموضوع.. لا نستطيع أن ننظر بهذه النظرة الدونية إلى اللغة الأم، وهناك مجال للإبداع بها.. بمجرد توجُّهنا نحو لغات أخرى هرباً من لغتنا، سيكون من الصعب جداً علينا أن ننتج، وهذا نتيجة عدة أبحاث علمية.. الفكرة التي أريد إيصالها، هي أنه هناك لغة أو أكثر نحتاجها في الحياة وتحديداً في عالم الأعمال، ولكن هذا لا يمنع أن ننتج بلغتنا ونبدع بها.. لذلك من المهم جداً الاهتمام بلغتنا والتعاطي معها بطريقة الحرص عليها والتصالح مع جذورنا.
لماذا لا أريد التحدّث باللغة العربية، في الوقت الذي أستطيع من خلاله القيام بهذا الموضوع، رغم كل التحديات التي نعيشها اليوم، وكل الإغراءات والتطوّر التكنولوجي الحاصل.. هذا واقعٌ يجب أن نتعايش معه، ونقدّم من خلاله كل ما تحتاجه الإنسانية.. لغتنا الأم متواجدة لاستخدامها، ولازالت هذه رسالتي حتى يومنا هذا، عندما أقصد المدارس والجامعات.. الفلسفات والحضارات تعيدنا إلى اللغة العربية وكنوزها من المعرفة؛ للاستفادة منها والمتابعة معها نحو الأمام.
أما الذكاء الاصطناعي؛ فقد جاء حتى يعطينا وقتاً للعمل على أنفسنا، ونعود إلى إنسانيتنا وعلاقتنا مع الطبيعة على سبيل المثال.. علاقتنا مع أنفسنا وكل تطوّر مرّت به الإنسانية، هدفه دفعنا نحو معرفة ذاتنا أكثر.
- ما هي الصفة التي تفضلين أن تطلَق عليكِ؟ ولماذا في ظل هذه المهام والأدوار الكثيرة التي تقومين بها؟
طوال حياتي كنتُ أطمح أن أكون كاتبة، وأن أملك هذه الصفة، مع العلم بأنني كنت أشعر بأن لها نمط حياة معيناً وجهوزية معينة، وتتطلّب الخروج إلى حدٍّ ما، من الهيكلية العملية.. كانت عندي نظرة رومانسية كبيرة تجاه هذا الموضوع، لكنني اليوم أقول إن أيّة صفة مهما كانت، هي قيد وتكبيل ومحدودية تسجنني بداخلها.
بكل صراحة، أنا اليوم لا أركّز على صفة معينة، ولا يخطر على بالي تحقيق أيِّ طموح؛ لأن ما أفضّله هو أن يقول عني الناس، كم أنني مرتاحة وسعيدة ومتصالحة، ولم يعد يهمني أن أُثبت نفسي؛ لأنني أنجزت هذه المهمة.. أعيش اليوم مرحلة العمل على تحقيق السعادة الداخلية والتوازن والتصالح مع النفس، وهي أهم من جميع الصفات؛ لأن الصفة تدلّ على مركز معيّن ومحدود مهما كان كبيراً.. الصفة التي تدل على المستوى الإنساني وتعبّر عنه؛ خاصةً في مجال تحقيق التوازن الداخلي مع العالم الخارجي، هي صفة نكتسبها بعد عمل طويل لمعرفة أنفسنا وعلاقتها مع: الطبيعة، الحياة، النجاح، المسؤوليات والتحديات.
الحب اللامشروط
- ما هي المكانة التي تحتلها الأمومة في حياتكِ اليوم؟
بكل صراحة، الأمومة هي تجربة الحب اللامشروط، وهي بالنسبة لي، الطريق للوصول إلى هذا النوع من الحب.. إنها مدرسة تعلّمني القيمة الأساسية لهذا الحب، وكيف أضعه داخل قالب خاص به من دون أن أفرض عليه أفكاري ومشاعري مهما كانت.. اختبرته من خلال حياتي مع ابنتي، ومن خلال الحماية والحب، وهما الركيزتان الأساسيتان لدور الأمومة؛ لأنه من المهم أن يشعر الولد بالأمان مع الأهل.
الأمومة مدرسة روحانية، كونية واجتماعية.. نتعلّم من خلالها العديد من الأمور، وكل يوم هناك أمرٌ جديد يختبر طاقتنا وقدرتنا على التحمُّل.
- ما هي أبرز القضايا التي تشغل بالكِ اليوم تجاه الـ امرأة؟ لماذا؟
كنتُ ناشطة في مراكز اجتماعية وثقافية متنوّعة ومختلفة في محافل دولية أكثر من اليوم، وكان الهدف التحدث عن هذا الصراع الذي نعيشه، وهو: مَن نحن، وماذا نريد أن نكون؟ ماذا نقرأ وماذا نستهلك مِن محتوى، والفكرة الكبيرة التي جعلتني أتحدث بهذا الموضوع وأسلّط الضوء عليه، هي: لماذا هذا الرفض لمَن نحن؟ ولماذا دائماً ننظر إلى الآخر؟ ولماذا ننطلق من موقع الهروب ولا ننطلق من موقع ماذا نملك؟
أنا في منتصف الأربعينيات، اليوم أنظر إلى كل هذا بعين جديدة وبمسؤولية أكبر إلى دوري في عالم الأعمال، وكيف يمكنني أن أكون في هذا العالم، وفي الوقت نفسه منسجمة مع إنسانيتي وقيمي، وهذا يعني الانتباه الدائم للخيط الرفيع الذي يفصل الطموح عن الانغماس، والذي يفصل الرغبة بتحقيق النجاح المستدام بالرغبة فقط في الإنجاز والظهور.
اليوم أعتبر أن المسؤولية باتت أكبر بعد عدة سنوات من العمل في قطاعات مختلفة، وفي مجالات منوّعة بين العمل الثقافي الاجتماعي والتجاري.. والتحدّث على منابر دولية.. اليوم أعتبر أنني في مرحلة العمل على تحقيق الانسجام الداخلي بين كل هذه الأعمال، الذي أستطيع من خلاله النظر إلى عملي بأيّ مجال بطريقة جديدة من موقع مسؤولية.. واليوم يمكنني القول، إنه ليس المهم ما نعمل، ولكن كيف نعمل؛ لأن كل إنسان بِغض النظر عن نوع عمله في الحياة، المهم أن يصل إلى مرحلة ينسجم من خلالها مع داخله.. أنا في مرحلة الوعي لأهمية الانسجام بين الخارج والداخل؛ حتى ألعب الدَور المطلوب مني، بتوازن ومسؤولية ومحبة.
الشعر هو البوصلة في حياتي
- ما هو دَور الشِعر في حياتكِ؟
يمثّل الشِعر بالنسبة إليّ، البوصلة التي تدلّني على الاتجاه وعلى المكان الذي أنا فيه؛ أيْ يحدّد أين أنا من نفسي؟ يجعلني أترجم أحاسيسي وأفكاراً معينة لا أستطيع شرحها.. الشِعر في حياتي هو المترجم الحقيقي الصادق عن أفكار ومشاعر لا أستطيع شرحها وفهمها في منطق الحياة العملية.. لذلك هناك فترات في حياتي قد أبتعد فيها عن الشِعر؛ لأنني أشعر بأنني لا أستطيع مزجه في حياتي العملية؛ فهو لديه القدرة على أخذي إلى المساحة التي يمتلكها، والتي ابتعدتُ عنها؛ خاصةً هذه السنوات الـ 3 الأخيرة.. أصبحتُ أنا والشعر على علاقة عميقة، لدرجة أنني بتُّ أنظر إليه على أنه غير محدود، لا بوصفٍ ولا بإطار.. يتغيّر معي ومع تفاعلي وتطوّري.
أستخدم الشعر كوسيلة تعبير عميقة وراقية جداً تتصل بإنسانيتنا، وكلُّ شخص لديه علاقة معينة مع الشعر تختلف عن الآخر.. أعتبر العلاقة مع الشعر، في تحوّل وتطوّر واكتشاف مستمر، ومن أحب ما كتبتُ على قلبي هو: "الحب فرصة يعطيها الله لكل كائن حي، ولا يشعر بها إلا مَن هو حيّ كائن".
- ما هو دور الألم في حياتكِ؟
الألم هو معلّم كبير، من دونه لا نتطهّر وننظف من الداخل، ولن نصل إلى مكان واضح نفهم فيه مَن نحن؟ الألم يجعلنا نسأل: مَن نحن، إلى أن نصل إلى النور الذي في داخلنا.
اعتدنا الهروب من الألم، ولكنه مرحلة تنظيف وتطهير، والهروب يؤخّر عملية الشفاء الداخلي والتقرّب من الذات ومعرفتها، وحتى من تطوّرنا في العالم الخارجي.. نؤخّر كل هذا عندما نهرب من الألم.
- ما هي أبرز القضايا التي تشغل بالكِ تجاه المرأة اليوم؟
أبرز القضايا التي تشغل بالي اليوم، هي الضغط الهائل المفروض على المرأة من جهة، والضغط الذي وضعته على نفسها من جهة أخرى.. هي اليوم تريد أن تُثبت نفسها وتدافع عن استقلاليتها وحريتها، وتبرهن أنها قادرة على المنافسة والوصول إلى جميع المراكز مثل الرجل.. هي الآن في مكانة تدور في فلكها الكثير من التحديات؛ حتى تبرهن أنها قوية وليست ضعيفة.
المرأة تحت الضغط تعيش صراعاً وتشتتاً، ولكن إعادة تصويب البوصلة إلى دور الأمومة المقدّس ودور إعطاء الحنان والدور الأنثوي والطاقة الأنثوية، مهمة تجعلها أمام رسالة كبيرة اجتماعية وروحية.. هذه المرأة تصارع حتى تُثبت نفسها في ظل كل هذه الضغوط.
أرى المرأة اليوم تركض عكس اتجاه سعادتها.
أنا لا أعمل لأنافس وأنجز؛ بل أعمل حتى أُقوّي سلامي الداخلي، وأعزّز معرفتي بنفسي، وأكون إنسانة سعيدة، وأُسعد الأشخاص من حولي، وأُقدّر طاقتي الأنثوية وأهميتها في التوازن على جميع المستويات.. خوفي من الركض عكس الاتجاه، والتركيز على الركض تجاه أنفسنا، هو من الأولويات للحصول على السلام مع النفس، بِغض النظر عن الصعوبات الخارجية على مستوى القوانين وحكم المجتمع علينا.
إن دور المرأة اليوم هو تفعيل الطاقة الأنثوية، وهذا الأمر يجعلها ليس فقط متساوية مع الرجل؛ بل يجعلها طاقة قائمة بحدّ ذاتها.. إن تفعيل الإبداع، المحبة والتسامح وكل الصفات التي تجعلها صانعة سلام.. بالإضافة إلى ضرورة أن تنظر إلى طاقاتها الخاصة بها الكامنة، وتعمل على تفعيلها والافتخار بها.
ومن الشعر ما قتل.. قصص مؤثرة عن شعراء معروفين قتلتهم الأشعار.