تعجّ المواقع الإلكترونية ومنصّات التواصل الاجتماعي، بمقالات ومنشورات تتناول الفنغ شوي أو فلسفة طاقة المكان وتأثيراتها على الإنسان؛ فيما يركّز بعض المنشورات على ماهية طاقة المكان وفروعها، يتناول البعض الآخر كيفية تعزيز طاقة المكان في البيئات السكنية ومقار العمل؟
إشارة إلى أن الفنغ شوي فنّ صيني قديم لترتيب المباني والأشياء والمساحة في بيئة ما، لغرض تحقيق الانسجام والتوازن، فهناك أدلة على أن الصينيين كانوا يُصمّمون منازلهم ومدنهم ومقابرهم، باستخدام مبادئ الفنغ شوي، منذ أكثر من أربعة آلاف عام. واللافت أن فنّ الفنغ شوي لا يزال صامدًا، على الرغم من غزو التكنولوجيا حياة الإنسان؛ ففي العصر الحديث، يستخدم كثيرون في أنحاء العالم قواعد الفنغ شوي في تصميم منازلهم وتزيينها.
تتناول "سيدتي"، في المقابلة الآتي نصّها، مع الدكتور الكويتي محمد جاسم، الحائز على دكتوراه في العمارة الداخلية السيكولوجية وماجستير في طاقة المكان، فلسفة الفنغ شوي وتطبيقاتها وتأثيراتها على الإنسان ومدى الترابط بين بعض من مفاهيم طاقة المكان ومبادئ عائدة إلى التصميم الداخلي.
فلسفة الفنغ شوي
عند الحديث عن طاقة المكان؛ هل يرجع الأمر إلى فلسفة الفنغ شوي حصرًا أم هناك فلسفات أخرى متعلقة بكيفية تأثير محتويات البيئة الداخلية، من ديكور وأثاث، على تحسين حياة الساكنين؟
تنتمي العمارة الداخلية إلى العلوم الإنسانية؛ وكل العلوم الإنسانية مترابط ويُكمّل بعضه البعض. وطاقة المكان من الفلسفات التي تُعنى بتصميم المنزل وإضفاء الإيجابية عليه والتقليل من حدة القلق والتوتر الناتجين عن بعض الأخطاء التصميمية والتناغم بين داخل الإنسان وخارجه. وهناك أيضًا، علوم كثيرة مُرتبطة بالتصميم الداخلي، مثل: علم الأعصاب والتصميم الداخلي، حيث يهتم هذا الجانب من العلم، بمدى تأثّر الجهاز العصبي عند التعرّض للون مُحدّد أو أشكال مُعيّنة من الأثاث. كذلك، هناك ارتباط وثيق بين علم النفس البيئي والتصميم الداخلي، إذ يُقاس مدى تأثّر الأفراد، في المساحات الداخلية، بعوامل، مثل: الألوان ودرجة الحرارة والضوضاء، ومدى فعاليتها على سلوك الإنسان وإنتاجيته داخل المباني. أضيفي إلى ذلك، الارتباط وثيق بين طاقة المكان وفلسفة الزن اليابانية وفلسفة البايوجيومتري.
المخطط المفتوح في التصميم الداخلي
كيف يُمكن تكييف مبادئ الفنغ شوي، مع تصميم المخطط المفتوح في المنزل Open Plan والجماليات البسيطة للطراز المينيماليست وتأثير التكنولوجيا في مساحات المعيشة؟
يعني التصميم المفتوح ربط مساحتين (أو أكثر) ببعضهما بعض لتوفير مساحة أكبر، عن طريق إزالة حواجز التقسيم (الحوائط) ويقضي بربط غرفة الطعام بالمطبخ، مثلًا، أو الجمع بين غرفتي الطعام والمعيشة، وحتّى بين المطبخ ومنطقة الجلوس وقاعة الأكل، في مساحة واحدة. تهدف طاقة المكان، بدورها، إلى التبسيطية والتقليلية أو المينيماليزم، فمن أهداف طاقة المكان الابتعاد عن التكلف واللجوء الى الطبيعة التي خلقها الله تعالى، في تصميم المنزل، أي إدخال إليه عناصر الطبيعة الخارجية الخمسة، المُتمثّلة في الماء والأرض والمعدن والشجر والنار، الأمر الذي سيشيع شعورًا بالراحة والانسجام والتوافق مع الطبيعة في البيئة الداخلية.
تدفق الطاقة الإيجابية
كيف يمكن إيجاد حل وسط حيث تكون المساحات الداخلية عملية وممتعة، من الناحية الجمالية، مع الحفاظ على تدفق الطاقة الإيجابية؟
كما قلتُ في السابق، هناك توافق كبير بين التصميم الداخلي وفلسفة طاقة المكان، إضافة إلى تطابق في كثير من المفاهيم. مثلًا، "تاو"، تعني الطريق، في طاقة المكان؛ نحن مرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالعالم من حولنا، فكل جزء من حياتنا مرتبط بالجزء الآخر، مُشكّلًا وحدة متكاملة. ويمكن تطبيق الـ"تاو" في الأماكن السكنية، من خلال ربط الداخل بالخارج وربط الطوابق والغرف المنفصلة حتى تتوحد وتتكامل، وهذا يسمّى في التصميم الداخلي بالوحدة. ومفهوم الين واليانغ في طاقة المكان، يعني التضاد أو الاختلاف، علمًا أنه في عالمنا الكثير من المتناقضات، لكن هي تُكمّل بعضها البعض، مثل: الليل والنهار والذكر والأنثى والمرتفع والمنخفض والألوان الدافئة والباردة... كل هذه التضادات خلقها الله تعالى لتكمل بعضها البعض، وهذا المفهوم يُسمّى في التصميم الداخلي التناغم أو الإيقاع. وطاقة المكان عبارة عن فن التناغم والتوافق والانسجام مع البيئة الداخلية من خلال وحدة الخارج والداخل عن طريق استخدام العناصر الخمسة الموجودة في الطبيعة. وهنا، باعتقادي أن قمة الجمال والقبول والرضا تأتي عندما نلجأ إلى عناصر الطبيعة التي خلقها الله عز وجل وإضفاء على المنزل جمالًا طبيعيًّا ومقبولًا، لأننا مفطورون على جمال الطبيعة وخلق الله.
ماذا عن الأثاث؟
عند اختيار الأثاث، من الأفضل أن تكون الحواف والزوايا دائرية أو مبرومة، كي لا تسبب ضربات مؤلمة عند المرور بالقرب من القطع المذكورة وتلامس أحد أعضائنا، مثل: الرجل أو اليد، وتتسبب بالألم. بخلاف ذلك، يتولّد إحساس دائم بالقلق والتوتر من ملامسة الأثاث.
توصيات عملية من الفنغ شوي
هل صحيح أن الفنغ شوي مُساعد في حل مُشكلات مُتعلّقة بصعوبات النوم أو عدم التركيز في المكتب المنزلي؟ إذا كان الأمر كذلك، ما هي بعض التوصيات العملية؟
للفنغ شوي دور كبير ومهمّ في حلّ المشكلات؛ وطاقة المكان ظهرت وأصبحت فلسفة، لأنّها تحلّ مشكلات كثيرة مُتعلّقة بخفض التوتر والقلق والخوف والارتباك، وتُساعد على تحقيق الأهداف، باستخدام قوّة المكان وسيطرته، حيث للمكان سلطة كبيرة علينا. في الآتي، مثالان:
- في غرف النوم، ثمة محظورات يجب الابتعاد عنها، وهي أي شيء يوحي بالخطر أو الطاقة المرتفعة، مثل: أجهزة التلفاز والكُمبيوتر والموبايل، فكلّها يوحي بالنشاط والعمل والتركيز والإنجاز. لا يحتاج الإنسان إلى الأجهزة المذكورة، في غرف النوم، بل إلى الراحة والاسترخاء والهدوء.
- في المكتب المنزلي، يعطي موقع طاولة المكتب، لشاغل المكان، الإحساس بالقيادة ويزيد من الثقة والتحكّم والقوّة، كما عندما تكون طاولة المكتب في الزواية الأخرى المقابلة للباب وأن لا يكون هناك خلف الجالس إلى طاولة المكتب شباك أو شرفة، كي لا يشعر بالضعف من الخلف، فالجدار يُعطي إحساسًا بالقوّة، والاستناد إلى بناء قوي ومتين كائن خلف ظهر الجالس إلى المكتب يعكس عليه هذا التأثير. أضيفي إلى ذلك، حضور نباتات كبيرة الحجم والأوراق يوحي بالنمو والازدهار والنجاح، الأمر الذي ينعكس تطوّرًا ونموًّا على إنجاز الإنسان وعمله.
مدارس في الفنغ شوي
بصفتك من المدرسة الواقعية، ما هي ملاحظاتك على الفنغ شوي؟
هناك مدارس في الفنغ شوي، ومنها المدرسة الرسمية أو الشكلية، التي تعتمد على الحاسة البصرية وعلى الأشكال والألوان، والمدرسة البوصلية التي تعتمد على الإبرة المغناطيسية في البوصلة لاختيار الاتجاه والمكان المناسب للسكن والأثاث، والمدرسة الهرمية وهي أقرب ما تكون إلى الواقعية. فالبشر نتاج تناغمي لمؤثرات داخلية وخارجية، والعناصر المكوّنة للشخصية الإنسانية تتضمن التناسق الجيني والقدرات البيولوجية وتأثير العائلة والدولة والدين، وأي اهمال في جزء من هذه الأجزاء سيؤدي إلى الخلل، أي بمعنى آخر ستبقى اللوحة ناقصة.