لينا منصور (1987)، مُصمّمة، ومُهندسة داخليّة، مولودة في جبل لبنان، أصدرت مجموعةً أولى من قطع الأثاث، تتبع الطراز الانتقائي، وتلفت من الناحية البصرية، مع التوجّه إلى فئات عمرية مختلفة من المستهلكين، لا سيما الشباب. ووضعت اللمسات الأخيرة على مجموعة ثانية من الأثاث، ونفّذتها، لكن هي تتريث في إطلاقها، إلى حين تحقيق المجموعة الأولى الهدف المُراد منها، وترسيخ الوعي بـloviic، العلامة التجارية التي أسّستها في 2020.
تعتبر المُصمّمة أن "التصميم ينبع من ذكاء، وفطرة، لكن هو بحاجة إلى صقل، وترويض، من خلال الدراسة الأكاديميّة، والمُمارسة في سوق العمل". وتؤمن بدور الحرفيين، في العمل التصميمي، لا سيما الحرفيات اللواتي يُنفذن أفكارها، بأناملهن. في السطور الآتية، تتحدث المصممة لـ"سيدتي"، عن منظورها التصميمي.
عالم التصميم
قدّمي نفسك لقرّاء سيدتي؟
تلقّيت تعليمي في الجامعة اللبنانية، ثمّ أطلقت loviic، الشركة (الخاصة بالتصميم) ذات المسؤولية الاجتماعيّة. ولم يأتِ ذلك، بسهولة، بل تطلّب منّي سنوات، بذلت خلالها مجهودًا كبيرًا، على الصعد الفكريّة، والجسديّة، والنفسيّة، وذلك لأن تأسيس عمل في لبنان لا يتمّ على غرار أي مكان آخر في العالم، بل هو يشبه الذي يغرس شجرةً، في أرض قاحلة تفتقر إلى مقوّمات الحياة، مع أخذ عهد على نفسه أن ينقل المياه على ظهره أميالًا، كي يسقي شجرته، آملًا في أن تنمو في هذه الصحراء، التي قحطتها الأزمات، والحروب، والويلات. لعل الشجرة تزهر يومًا ما.
ما هو تعريفك للتصميم، في العموم؟
التصميم، هو صياغة الأفكار، وتشكيلها، من أجل تطبيقها بصورة عمليّة، وتحقيق وظيفة مُحدّدة. لكن، ليس بالضرورة أن يكون العمل التصميمي المُنفّذ، مخطّطًا له مُسبّقًا، ومرسومًا، فجموح أفكار المُصمّم الفنّان، قد يسبق قدرته على تصوّر النتيجة النهائية لصنيعه، بخاصّة عندما يغلب إحساسه عقله. في منظور كلّ فنّان، تتغلّب الذاتيّة، والفرديّة على أسس المنطق، والموضوعيّة، الأسس التي يرتكز عليها العلماء. لكن، لا يعني ما تقدّم أن إمكانية ترويض المصمّم الفنّان في داخله مُستحيلة، بل على العكس من المُستطاع تهذيب هذه الأفكار الجامحة، حتى تفرز تصميمًا له وظيفة عملانية، وقابليّة للتنفيذ. بالتالي، الجمالية، والانبهار البصري، اللذان يُخلّفهما التصميم، لا يمكن أن ينشآ من جدّية، وجمود المنطق، بل من جموح الخيال، وجنون التناقضات. من ناحيتي، لطالما شغفتني الفنون، بشكل عامّ، وقد وجدت فيها مُمارسة تلقائيّة أُعبّر من خلالها كإنسان مرهف عن معنى نشأتي في لبنان، البلد المتناقض، والمُتقلّبة ظروفه. لجأت في طفولتي إلى الرسم كملاذ آمن أُجسّد فيه أحاسيسًا غير مُستقرّة، وأفكارًا فوضويةً. ثمّ، تحوّلت نزعتي الفنّية، في مرحلة النضج، إلى أفكار مُتناسقة لها وقعها، حتى تجسّدت في عالم التصميم، وبالتحديد بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
للتصميم وظيفة
علاقتك بتصميم الأثاث والمنتجات أكاديميّة أم مهنيّة أم هي تُعبّر عن هوى بما تقومين به؟
أعتقد أن المُصمّم يهدف إلى سدّ حاجاته الإنسانيّة، والاجتماعيّة، من خلال التصميم. والأخير، ينبع من ذكاء، وفطرة، لكن هو بحاجة إلى صقل، وترويض، من خلال الدراسة الأكاديميّة، والمُمارسة في سوق العمل. يتمثّل الفرق بين التصميم، والفنّ، في أن الأول يؤدّي وظيفةً مُحدّدةً، فيما الثاني (الفنّ) لا يهدف إلّا إلى استعراض أفكار، أو مشاعر مُحدّدة. لكنّي أؤمن أنه لا بد أن يولد التصميم بالأساس من ضلع الفنّ، وينضج، كي تصبح له وظيفة مُعيّنة مُفيدة للمجتمع، ولسوق العمل.
ما هي المصادر التي تُلهمك؟
يُلهمني أبناء وطني، لا سيما الحرفيات في مدينة عاليه (جبل لبنان)، اللاتي صنعن بأناملهن قطع المجموعة.
الابتكار في التصميم
قطع الأثاث والاكسسوارات المعدّة منك، من الألف إلى الياء، لا تمتلك شكلًا كلاسيكيًّا؛ إلى أي حد تقصدين ذلك قبل الشروع في التنفيذ؟
لم أقصد أن يكون طابع الحداثة جليًّا في أعمالي؛ فخصلة الابتكار هي أساس كلّ مُصمّم، اللقب الذي لا يُطلق على أحد، إن لم يضف شيئًا جديدًا، ومُختلفًا عمن سبقوه.
الأسلوب الانتقائي
لم ألاحظ أن أعمالك تتبع طرازًا معينًا، أو موضة دارجة. إلى أي حدّ الجانب الفني هو الموجّه لعملك؟
تقول كوكو شانيل: "أنا لا أصنع الموضة، أنا الموضة"؛ أؤمن بهذا القول، ولا أتبع في تصاميمي، موضة دارجة. لكنّ المجموعة الأولى، تتبع الأسلوب الانتقائي، والأخير يتميز بالتنوّع، وعدم القدرة على التنبؤ، ويقوم على دمج قطع من فترات، وأنماط مختلفة ببعضها. من خصائص مجموعتي، اعتماد الأنماط المختلفة، من "البوب آرت"، و"الريترو"، وفنّ الشارع (ستريت آرت)، مع المزج بينها. وفي النتيجة: القطع ذات أشكال مُعاصرة، وغير متوقّعة، وجذّابة من الناحية البصريّة.
الكراسي المميزة
من بين الوسائد، والإكسسوارات، وقطع الأثاث، في مجموعتك، لفتتني الكراسي المُميزة؛ ماذا تعني هذه القطع لك؟
يُستخدم الكرسي المميز accent chair في إضافة لمسة من الجرأة، إلى الفضاء الأرضي، الذي يحلّ فيه، مقارنة بقطع الأثاث الأخرى الموزّعة، وهو يخلق نقطة محورية لافتة للنظر في المكان، لناحيتي شكله، وانحناءاته. إذا رغبنا بأن نُقيّم جاذبية اكسسوارات وديكور المنزل، من الأكثر سحرًا، وبروزًا، إلى الأقلّ تأثيرًا، سيحتل الـaccent chair رأس القائمة، لناحية الأهمّية.
طبع ملول
ماذا عن المواد، والألوان، التي تُحبّين التجريب فيها؟
تنقسم المجموعة في loviic إلى ستّ تشكيلات، تتمايز عن بعضها البعض، لنواحي لوحة الألوان، والنمط، والمواد، وترتكز على كيفية الخلط، والدمج، ودرجة اللون المستخدمة، وذلك لإرضاء مجموعة واسعة من المستهلكين، ومنهم: الجيل زد، وجيل الألفية، والجيل اكس. أرى أن تكرار الألوان عينها في كلّ مجموعة، يؤدي إلى ملل المستهلكين، وعدم حماستهم لترقّب ما هو الجديد، في المجموعة القادمة؟ أضيفي إلى ذلك، لا أرغب بأن أرى نفسي مسجونة، في زاوية واحدة، أو أن يسهل تقييم أسلوبي، وذلك لا يرجع إلى نيّتي في التميز، بل إلى التحرّر، وعدم إفساح المجال لإمكانية توقّع المنتج، أو تصنيفه. كما أن طبعي الملول، الذي لا يتحمّل الروتين، والتقيّد بالكثير من القواعد، ينعكس في عملي، من حيث إنتاج تصاميم، لا تُركّز على التوازن، والتماثل، من الناحية البصريّة. أؤمن باللا مثالية، التي تضفي جمالًا مضاعفًا على أي عنصر، بعيدًا عن التكلّف، والزيف.