"تحدث عن معاناتك باستفاضة حتى تزول مشاعرك السلبية التي ترافقها".
"الصمت سيجعل مشاعرك تتوالد بالسلب، وستؤذيك إن لم تشاركها مع أحد!".
هذه النوع من النصائح لابد وأن نكون قد سمعناها هي وأشباهها، فقد كانت ثقافة سائدة بين كل الأجيال، والحل الأمثل لتحرير مشاعرنا من فوضاها.
فهل حقيقي ما يحدث لمشاعرنا حينما نشاركها مع الآخرين؟.. هل قسمتها سينقص من أثر الشعور بها؟
وهل وجود أشخاص لطفاء يتعاطفون معنا، ويتبنون مشاعرنا، سيجعلها تكُف عن أذيتنا وستغادرنا؟
تم عمل دراسة من ضمن سلسلة دراسات علمية قام بها علماء النفس، الهدف منها هو فهم مشاعر الألم والمشاركة العاطفية (الفضفضة) التي نقوم بها مع الآخرين، وتم استخدام عينة تتكون من مجموعة من طلاب جامعة إلينوي، لدراسة مشاعرهم بعد صدمة تعرضهم لهجوم مسلح نتج عنه إصابة ٢١ طالباً، ومقتل ٥ منهم، وكذلك تم أخذ عينة أخرى لمجموعة من طلاب جامعة فرجينيا للتقنية، ممن تعرضوا لهجوم مشابه، قُتل بسببه ٣٢ شخصاً.
ولاحظوا أن العديد من الطلاب واجهوا هذه الصدمة، عن طريق مشاركة مشاعرهم مع الآخرين، وتحريرها كما كانوا يعتقدون، خاصة عندما شاركوها مع طلاب من جامعة أخرى تعرضت للهجوم نفسه سابقاً، ظناً منهم أن هذا النوع من التعاطف وتشابه التجارب سيساعدهم على اقتسام المخاوف، وانخفاض صوت ثرثرتهم الداخلية.
ولكن ما اكتُشف كان مخالفاً للمعتقد السائد، والنتيجة لم تساعدهم مشاركة الآخرين سوى بتضاعف الحزن والتمسك أكثر بالمخاوف، وجعل مشاعر الألم والفزع تواصل النمو في دواخلهم، وأخذت تمتد أكثر في كل مرة يقومون بتذكر تفاصيل ما حدث وروايته.
ومن خلال دراسات عديدة متتالية تم الإجابة عن السؤال الذي نتج عن هذه الدراسات، وربما سألناه لأنفسنا يوماً: لماذا الدعم الذي نحصل عليه من الأشخاص أثناء مشاركتهم يأتي علينا بنتائج عكسية؟! ولماذا نشعر في بعض اللحظات بأن مشاعرنا بدل أن تختفي زادت قوة وسطوة؟
السبب هو أننا نتجاهل دوماً نوعاً من أنواع الدعم يدعى بالدعم المعرفي، ونكتفي بمن يقدم لنا نوعاً واحداً فقط من الدعم وهو العاطفي، والمؤشر المعتمد في اختيارنا هذا الشخص كان يعتمد على أنه كلما زاد تعاطفاً واهتماماً واجتراراً لمشاعرنا عبر أسئلته، زادت قيمته وكان هو الشخص المثالي للحديث معه عن معاناتنا، وهذا معتقد خاطئ، وقعنا به جميعاً لفتره طويلة من الزمن، فأهمية الدعم العاطفي وحده غير كافٍ، لابل خطير على صحتنا النفسية إذا أدى لاجترار مشاعر الألم بشكل مبالغ فيه، والحل هو أن يُقَدم الدعم لنا بشكل متتالٍ، وموزع بين الدعم العاطفي، والدعم المعرفي، الذي يوجهنا لإيجاد الحل، إما بشكل مباشر وإما عن طريق فتح أعيننا بعد إزالة غشاوة الألم التي كانت تُضعف من رؤيتنا، وتحجب عنا الحل الصحيح الذي به سنتخطى ونعبر الطريق.
علينا أن نختار مستشارنا الخاص الذي يملك القدرة على تقديم النوع العاطفي والمعرفي بالطريقة الصحية التي تتناسب معنا، وأيضاً علينا أن نكون هذا المستشار لمن يلجأ إلينا.