متى تشعر بالذكاء؟

مها الأحمد 
مها الأحمد
مها الأحمد

لطالما بحثتُ عن مراحلِ تغيُّرنا ونموِّ شخصياتنا بوصفنا بشراً، وحاولت أن أفهمَ المؤثِّراتِ، والعواملَ، والتجاربَ، والنقاطَ المفصليَّةَ التي أدَّت لتغيُّرٍ ملحوظٍ وواضحٍ، أو انحرافٍ بسيطٍ، يوحي بأن هناك تغييراً، لكنْ لا اسمَ له، قد حدثَ لنا بالفعلِ، وانعكسَ على سؤالنا "من نكون؟".

كنت أراقبُ نفسي وتفاعلي مع الآخرين، والأشياءَ، والمراحلَ العمريَّة التي أمرُّ بها، وأعودُ في كل مرحلةٍ كنقطةٍ مرجعيَّةٍ للمقارنةِ بما وصلتُ إليه، وينطبقُ هذا على حدٍّ سواءٍ على كلٍّ من صفاتي الحسنةِ وغير الحسنةِ، وكثيراً ما كنتُ أستجوب نفسي عن سببِ بعض أفكاري، وما النتائجُ التي أهتمُّ بها، والأسبابُ التي تجعلني أتوهَّجُ، وأنجحُ، أو ينطفئ بريقي.

لم أصل بعد لأجوبةٍ، تكشفُ لي شخصيتي بوضوحٍ، لكنِّي أخيراً توصَّلتُ لبعضِ التحليلاتِ التي قرأتُ عنها، كان من أهمِّها أنواعُ العقلياتِ التي يتبنَّاها كلُّ شخصٍ منَّا! ومنذ ذلك الوقتِ وحتى الآن، لم أتوقَّف عن الملاحظةِ، والتدقيقِ، والتوسُّعِ، والدهشةِ في كلِّ مرَّةٍ من كلِّ معلومةٍ جديدةٍ، أحصلُ عليها، وكلِّ تصرُّفٍ أحلِّله بناءً على ذلك.

وصلَ بي الحالُ لمشاركةِ الآخرين هذه التساؤلاتِ، ورغبتي في إشعالِ شرارةِ السؤالِ لديهم من خلالِ وضعه أمامهم، ومراقبةِ تحليلهم له. لم أتوقَّف عند أسرتي وأصدقائي فقط، بل وطالَ ذلك زملائي في العملِ، كما أنني بدأتُ أفتتحُ بها حديثي مع أشخاصٍ، تجمعني بهم لقاءاتٌ عابرةٌ شبه متكرِّرةٍ.

من بين تلك الأسئلةِ مثلاً: متى نشعرُ بأننا أذكياء؟ وهل الذكاءُ متجذِّرٌ وفطري، نولدُ به، أم أننا نكتسبه؟! وما هو مفهومُ الفشلِ، والكفاءةِ، والنجاحِ بالنسبة لنا؟!

لم أكن أعلمُ، أن هذه الأسئلةَ، ستجلبُ خلفها جيشاً من الأسئلةِ التي سأواجه بها نفسي أولاً، وأقفُ مذهولةً من إجاباتي، وكأنني أحاكمها بالشهودِ والأدلةِ، ولا أدعها أبداً تفلتُ مني.

هناك تجربةٌ، قامت بها كارول دويك، أستاذةُ علمِ النفسِ في جامعةِ ستانفورد، حيث قامت بتقسيمِ طلابِ المدارسِ بتفاوتِ مراحلهم الدراسيَّةِ إلى قسمَين: قسمٌ يمتلكُ عقليَّةً ثابتةً، وآخرُ يمتلكُ "عقليَّةَ نموٍّ"، وطرحت على المجموعتَين السؤالَ التالي: متى تشعرُ بالذكاء؟

أجاب الطلابُ ذوو العقليَّةِ الثابتةِ: أشعرُ بالذكاءِ عندما لا أرتكبُ الأخطاءَ، وأنهي أمراً ما بسرعةٍ وإتقانٍ، وأن تكون مهمَّةٌ ما سهلةً علي، ويصعبُ على الآخرين عملها. كما أكَّد أصحابُ هذه العقليَّةِ، أن الذكاءَ والموهبةَ لا يكفيان، بل علينا أن نكونَ دون عيوبٍ أيضاً.

أمَّا بالنسبةِ لإجاباتِ الأشخاصِ ذوي عقليَّةِ النموِّ، فذكروا بأنهم يشعرون بالذكاءِ إذا تفوَّقوا على أنفسهم، واستطاعوا توجيه جهودِهم لتحقيقِ ما يرغبون فيه، وحينما يكتسبون خبراتٍ جديدةً، وذكروا بأن الكمالَ ليس هاجساً يلاحقهم، بل الأهمُّ بالنسبةِ لهم التعلُّمُ، أمَّا معيارُ الكفاءةِ، فهو مرهونٌ بإحرازِ التقدُّمِ بعيداً عن الوقتِ المستغرقِ.

كانت الإجاباتُ متباينةً، لكنَّها حقيقيَّةٌ، ومن خلالها نستطيعُ أن نعرفَ أن عقليَّةَ النموِّ، هي عقليَّةٌ، يمكننا اكتسابها فقط إذا آمنا بها، وقد نستطيعُ ذلك من خلال التعرُّف على أنفسنا، والطرقُ التي نفكِّرُ بها، ونطوِّرها.

"عقلياتنا تشكِّلُ نظرتنا لأنفسنا التي تؤثِّرُ في الطريقةِ التي نعيشُ بها حياتنا، وتشكِّلُ شخصياتنا، وتتطوَّرُ من خلالها، كما أنها تحدِّدُ إذا ما كنا سنصبحُ الشخصَ الذي نريدُ أم أننا سنخفقُ في تحقيقه؟".

يا ترى لأي عقليَّةٍ تنتمي الآن؟! وعلى أي منهم ستحافظ؟!