علاقتنا بالنجاحِ، هي مثل علاقتنا بالأشخاصِ، فإمَّا أن تكونَ صحيَّةً ومستقرَّةً، أو مرضيَّةً ومتذبذبةً، ظاهرةً وحقيقيَّةً، أو متخفيةً تحت عديدٍ من الأقنعة.
هناك مثلاً مَن نحبُّهم بكرمٍ، ولا تبخلُ عليهم مشاعرنا، أو أصواتها بالتعبيرِ، ومَن نحبُّهم، لكننا لا نعرفُ السبيلَ للغةٍ، تصفُ لهم مقدارَ ما يعنيه لنا وجودهم بالقربِ منَّا، دون أي مجهودٍ، أو التزاماتٍ. وهناك مَن يبهجنا، ويحمينا قربهم، لا نحن نسعى إلى خنقِ المسافةِ التي يتحرَّكون بها، فتنعدمُ حريَّتهم، ولا هم تحت رحمةِ محبَّتنا.
هناك أيضاً مَن نحبُّهم بتقبُّلٍ، ونتفهمُ اختلافاتهم، ولا شأنَ لنا بتسميتها بعيوبٍ، ونتباهى بما لديهم من مزايا، ونعزِّزُ من جودتها، ونحافظُ معهم على وجودها وتكاثرها دون أن تُرهقهم مطالبنا بالتغييرِ، لا كماً ولا نوعاً. وهناك مَن نحاولُ السيطرةَ عليهم، والتحكُّمَ بهم، نأمرهم بالانعطافِ قليلاً للوجهةِ الأخرى قبل أن يصلوا بقليلٍ لأفكارهم، أو السيرِ بالاتجاه المعاكسِ لرغباتهم، فتضيعُ سعاداتهم، ويغيبُ يقينهم بأنفسهم.
علاقتنا بالنجاحِ، يحدِّدها شكلُ علاقتنا بأنفسنا، فإمَّا أننا نصدِّقها، ونعتزُّ بها، ونثقُ بحقيقتها، ونتقبَّلها، ونقدِّر جهودها في أن تكونَ أفضل، أو أننا نتظاهرُ بكلِّ هذا أمامَ مرأى الآخرين، وعندما نختلي بها، نعزلها ونجرِّدها من كلِّ مشاعرَ، ترغبُ في الاندماجِ معها، والوصولِ إليها! لا يُسمحُ لنا حتى بأن ننحني لها قليلاً لنسمعها، ونراجعَ علاقتنا معها، لنُصلحها ونرعاها.
هكذا هو النجاحُ، فإمَّا أن يكون بصحَّةٍ جيدةٍ، يحملُ لنا السعادةَ، ونكتفي به، وبمجهودنا الذي نقدِّمه له، دون أن نعقدَ اتفاقاً مع طموحٍ متسلِّطٍ، ينهي علاقتنا به للأبد، ويدفعنا لنركض وراءَ كلِّ نجاحٍ، وحينما نمسكُ به، ويقبلُ بأن يعيش معنا على أملِ أن تكون حياتنا سعيدةً، نبدأ بالتقليلِ منه، ونعفيه من أي احتفالٍ به! لا نتشاركُ معه السعادةَ، ولا الحياةَ كما يجبُ، وبعد قليلٍ وبسرعةٍ، تتحرَّك مشاعرنا نحو نجاحٍ آخرَ أكثر شباباً وجمالاً وبهاءً، فنهجره، ونعيدُ الكَرَّة مرَّةً تلو الأخرى مع كلِّ نجاحٍ نملكه. وفي كلِّ مرَّةٍ، تقصرُ فيها المدةُ بين الدوراتِ، تزيدُ شراسةً وحنقاً حتى يُرهق النجاحُ منَّا، ويصيبه مرضٌ خطيرٌ، ويُطلب منَّا أن نتلقَّى العلاج الفوري، فقد أصبح نجاحنا قهرياً لا يُحتملُ، وسيقتلنا نحن وكلَّ نجاحاتنا إن لم نتعافَ منه، ونصحِّح علاقتنا به حالاً.