خلقَ الله الإنسانَ، وجعلَ منه زوجَين اثنَين، الذَّكرَ والأنثى، وشرَّع لهما الزَّواجَ، لتستمرَّ البشريَّةُ على سطحِ الأرضِ، وسنَّ السُّننَ لذلك بما يعودُ بالفائدةِ على كلِّ طرفٍ، وحفظَ حقوقَ كلٍّ منهما. ومن المراحلِ المتتاليةِ للزَّواجِ فترةُ الخطوبةِ، وهي فترةٌ قد تطولُ، أو تَقْصرُ، ويتمُّ فيها التَّعارفُ بين الطَّرفَين، والاتِّفاقُ على الأمورِ المترتِّبةِ على الزَّواجِ. وقد أصبحت هذه الفترةُ أساسيَّةً في العصرِ الجاري، بل وأمراً واقعياً واجتماعياً، يسعى إليه الأفرادُ عند الارتباطِ بغية الزَّواجِ، إذ تعدُّ الخطوبةُ أولى مراحلِ تأسيسِ أسرةٍ سليمةٍ بالاعتمادِ على أسسٍ إسلاميَّةٍ حكيمةٍ، ينبغي أن تقومَ الخطوبةُ عليها، ويتمُّ وفقها اختيارُ الخاطبَين كلٌّ منهما للآخرِ، ذلك أنَّ الإسلامَ شرَّع أموراً لاختيارِ كلٍّ من الزَّوجِ والزَّوجةِ. وفي الفترةِ الأخيرةِ، بدأت الدوراتُ التأهيليَّةُ لما قبل الزَّواجِ، بدءاً باختيارِ الشريكِ شريكَه، وانتهاءً بالزَّواجِ، وقواعدِه، وكلِّ ما يتعلَّقُ به، والهدفُ منها، أن تبدأ الحياةُ الأسريَّةُ وفق نُظمٍ سليمةٍ وواضحةٍ، لتستمرَّ بشكلٍ راقٍ وهانئٍ، بعيداً عن المُشكلاتِ والمُنغِّصاتِ التي قد تعترضُ طريقها. ويستمتعُ الخاطبان في فترةِ الخطوبةِ، ويتعرَّفان على إيجابيَّاتِ الشريكِ وسلبيَّاته، ويحاولان العملَ على تحسينِ وتطويرِ كلِّ صفةٍ غيرِ مرغوبٍ بها، ويمكنُ تغييرها للأفضل، فالإنسانُ لا بدَّ له أن يتغيَّرَ، ويتجدَّدَ للأفضل، وأن يبدِّلَ طباعه غير المرغوبةِ، فعندما يكون أحدُ الطَّرفين مزاجياً، لا يستطيعُ الآخرُ فهمه، إذ نراه يمتلكُ رأياً مختلفاً كلَّ لحظةٍ، ومزاجاً متقلِّباً، وهذا يجعلُ شريكَه في حيرةٍ من أمره، ويبحث عن طريقةٍ نافعةٍ للتعاملِ معه، وأسلوبٍ مفيدٍ، ما يؤدي إلى دمارِ العلاقةِ بينهما! وكثيراً ما نسمعُ من الأخواتِ، أنَّها لم تعد تعلمُ كيفيَّةَ التَّعاملِ مع خطيبها المزاجي، ففي كلِّ لحظةٍ برأي، وبمزاجٍ متقلِّبٍ! وتطلبُ الحلَّ وفق ما يقتضيه علمُ الذَّكاءِ العاطفي، محاولةً منها للمحافظةِ على علاقتهما، فالذَّكاءُ العاطفي علمٌ، يستخدمه المرءُ، ليساعدَ نفسه على فهمِها، وفهمِ محيطه، وكيفيَّةِ التَّعاملِ مع مَن حوله، ومعرفةِ أن التَّنازلَ دائماً من أحدِ الطَّرفين دون أن يبدي الطَّرفُ الآخرُ أي حركةٍ، أو تصرُّفٍ، أو تنازلٍ حتَّى، لتسيرَ العلاقةُ وفقَ منهجٍ سليمٍ، يؤدِّي لأن تسوءَ تلك العلاقةُ، وتضمحلَّ، فالحياةُ عبارةٌ عن تشاركٍ بين طرفَين اثنَين. كذلك يجبُ أن يعتادَ الطَّرفُ المزاجي على تقبُّل الآخرِ له، واعتبارِ ذلك واجباً عليه، خاصَّةً خطيبته التي ستسأمُ منه بعد فترةٍ وجيزةٍ، وستصبحُ حياتهما جحيماً، وتنتهي بالانفصالِ. وعلى الإنسانِ أن يعامِلَ الطَّرفَ المزاجي بدبلوماسيَّةٍ، وأن يحاولَ معرفةَ ما يُزعجُه، ويُقلقُه، ويُغيِّر من مزاجِه المتعكِّرِ، الذي قد لا يكون مبنياً على أسبابٍ واضحةٍ، وغير ذلك، كيلا يعتادَ على أنَّ خطيبته ستقومُ بمراعاتِه، والاهتمامِ به على مدارِ الوقتِ، ودون أن يُبدي خطوةً واحدةً تجاهها، والأمرُ كذلك للمخطوبةِ.
نستخلصُ ممَّا سبق، أنَّ هناك مقوِّماتٍ، وأسساً، يجب توفُّرها لدى الخاطبَين، وأهميَّة امتلاكِ مهاراتِ الذَّكاءِ العاطفي، لتفادي الوقوعِ في أي مُشكلةٍ، مع العملِ على حلِّها حالَ وقوعها، والسَّعي إلى التَّغييرِ الإيجابي لأي عادةٍ غير محبَّبةٍ، فالحياةُ تشاركٌ بين طرفَين، ويجبُ أن يتعاونَا لبناءِ أسرةٍ ناجحةٍ وقويمةٍ.