الأبُ، هو الرَّكيزةُ الأساسيَّةُ في الأسرةِ، وعمادها، وأساسها، وذلك مشارَكةً مع الأمِّ، وكلٌّ منهما له دوره الخاصُّ، وواجباته تجاه أفرادِ أسرته، لا سيما الأولادُ، فالوالدان ليسا فقط مَن ينجبانِ الأولاد، لكنَّهما مَن يتحمَّلانِ مسؤوليَّةَ التَّربيةِ والعنايةِ بهم أيضاً، وهناك مثلٌ شعبي يقولُ: "الأم ليست التي تلد، ولكنّها التي تربي". وهذا دليلٌ على أهميَّةِ دورِ التَّربية في حياةِ الأولاد، فما فائدةُ الأبِ والأمِّ إن لم يقم كلٌّ منهما بدوره وواجباته الأساسيَّة؟! أو ما فائدةُ أن يتنمَّرَ الأبُ على أولاده، أو يجعل الغضبَ محورَ حياتهم، ولا يؤمِّن لهم الجوَّ الهانئ السَّعيدَ والهادئ، ولا يحقِّقُ أمنياتهم الصَّغيرةَ؟! فبدلاً من أن يكون عنصراً فاعلاً في بناءِ شخصيَّةِ طفله، سيكون سبباً في تدميرها، ذلك أنَّ أوَّل ثماني سنواتٍ من عمرِ الطّفلِ، تُعدُّ حجرَ الأساسِ في بناء شخصيَّته، فاللاوعي يدخلُ في تركيبِ هذه الشخصيَّة، وهو الذي يحدِّدُ ما سيكون عليه هذا الطفلُ في المستقبلِ، في الثلاثين سنةً المقبلة من حياته.
ولأنَّ الذَّكاءَ العاطفي، يتكوَّن خلال السنواتِ الخمسِ الأولى من عمره، فالطفلُ مثل صفحةٍ ناصعةِ البياضِ، ندوِّن عليها كلَّ ما نرغبُ في أن يظهرَ بالمستقبل، فمَن يزرعُ حسناً، سيجني حسناً. وكثيراً ما نشاهدُ آباءً لا يتمتَّعون ولو بجزءٍ صغيرٍ من الصَّبرِ على أولادهم! حتى إنَّهم لا يقومون بمنحهم شيئاً من الحنانِ والرِّعايةِ الأبويَّة، بل نراهم دائمي الصّراخِ والتنمُّر عليهم، ما يحوِّلُ صورةَ هذا الأبِ داخل ذهنِ ابنه لشخصٍ سيِّئ الطّباعِ، ولا يحبُّه، بل يبحثُ عن شخصٍ آخرَ، يكون قدوته، ويجدُ فيه الحنانَ، والأمانَ، والرّعايةَ، بالتَّالي عندما يكبرُ الابنُ، لن يجدَ هذا الأبُ ما يحتاج إليه من حنانٍ ورعايةٍ لدى ولده، لأنَّه لم يغرسها داخله في صغره، في وقتٍ يكون فيه هذا الأبُ العجوزُ بأمسِّ الحاجةِ لجزءٍ صغيرٍ من الاهتمام، فما زرعه في أطفاله صغاراً، سيجنيه عند كبره وهرمه، لذا كلمةُ الأبِ، أو الوالدِ كلمةٌ كثيرةُ المعاني، تحملُ بين طيَّاتها الطّباعَ الحسنةَ، والأخلاقَ الحميدةَ التي ستنتقلُ للأبناء، ليتطوَّروا من خلالها، فينشأ جيلٌ صالحٌ متعاونٌ سليمٌ جسدياً ونفسياً.
نستنتجُ ممَّا سبق، أنَّ الأبَ، هو اللبِنةُ الأساسيَّةُ، والقدوةُ الصَّالحةُ التي تقومُ عليها الأسرةُ. يقتدي به الأبناءُ، ويسيرون على خطاه، فهو المثلُ الأعلى لهم، وهذا ما يمثِّلُ كبرَ حجمِ المسؤوليَّةِ الملقاةِ على عاتقه، ويدفعه لانتهاج أسلوبٍ مميَّزٍ حتى يكون الجيلُ مميَّزاً.