النقطة

 


النقطة وحدها لا شيء (صفر)، كما أن الواحد وحده كل شيء.

ولكن لو جاءت النقطة لتقف إلى يمين الواحد، جردته من وحدانيته، وكليته المستوعبة للانهاية، فجعلته مجرد «نفر»، جندي صغير تمنحه هي الحيثية والقوة إذ تكثِّره، فتجعله وحدة، ففصيلة، فكتيبة، فجيشًا، حسب عدد النقاط المصطف إلى يمينه: من 10 إلى 100 إلى 1000 إلى 1000000.. إلخ.

وهي تفعل نفس الشيء مع كل الأعداد

(5-8-7)، أي عدد تضخمه إلى لا نهاية.

فالمالانهاية هي الصفر أو الواحد، الوجود أو العدم.

أما نقطة الصفر على يسار العدد فهي منبوذة مهجورة، أدار لها الوجود ظهره. وأكثر ما يؤلمها أنها بلا وظيفة (صفر على الشمال كما يقولون)ـ إن سنتيمترًا واحدًا يفصلها عن موقع الوجود إلى يمين العدد ـ لكن ذلك السنتيمتر يمثل فارقًا هائلاً ما بين الجدوى والعبث، وما بين الحيثية والتفاهة، وبحرًا من المحال عبوره، فلا أمل للنقطة (الصفر) إلا أن تمحوها الممحاة محوًا فترتاح، أو تنقلها الكف الماحية إلى يمين العدد، فيحدث لها السعد والهناء ولذة الوجود، والشعور بالقيمة وعلو المقام.

وهناك نوع من النقاط مثير للأعصاب، إنها النقطة التي في مركز الدائرة.

فهي تبلغ من النرجسية أن نظن أنها مركز الكون، حتى لو كانت الدائرة التي هي منتصفها لا يبلغ طول قطرها أكثر من خمسة سنتيمترات، ذلك أنها ترى قطر الدائرة يمر بها، ونصف قطرها يتوقف عند محطتها (آخر الخط)، ومحيط الدائرة يطل عليها من كل اتجاه، وهي عبارة عن ملايين من الشبابيك: النقاط الضئيلة التي لا تُرى، كلها منجذبة في فلك النقطة المركزية على مسافة لا تتعداها ولا تخرج عنها.

لكن نفس ممحاة التلميذ، أو كوب شاي، أو حماقة فرجار قد تثقبها أو تلطخها وتقلل من قيمتها، أو تفني مجموعتها الشمسية وتطفئ ذاتها النرجسية المتضخمة.

وقد يضع عليها المعلم علامة (×) بالقلم الأحمر لخطأ في رسمها، فلماذا تلك النقطة الهامة معجبة بنفسها؟

أما النقطة التي على محيط الدائرة فقد ذكرناها، إنها نقطة بلا وجود تقريبًا، أو هي كإليكترونات الذرة، تبلغ من الضآلة أنها لا يمكن أن توجد وجودًا مستقلاً، فكل واحدة منها تفنى في الأخرى، فلا نبصر إلا خطًا دائريًّا متصلاً لا نهاية له، هو محيط الدائرة.

أما النقطة التي في آخر الجملة، فلسوف ترينها حالاً يا سيدتي.

وهي أحيانًا تكون جوابًا لعلامة استفهام، وأحيانًا حسمًا لكثرة الكلام.

ويقولون على عناصر أي موضوع «نقاطًا»، لا أدري لماذا، فهل تعرفين أنت؟

قولي نعم أو لا، كي أضع أنا هنا نقطة انتهاء الكلام.

[email protected] للتواصل مع الكاتب بهاء جاهين