أبناؤكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها
بكم يأتون إلى العالم وليس منكم ومع أنهم يعيشون معكم إلا أنهم ليسوا ملكًا لكم
جبران خليل جبران
«الأمومة والأبوة» علم ومعرفة وفن ووعي، فالحب الغريزي وحده لا يكفي لاستيفاء احتياج الأبناء، والحقيقة أن كلمات جبران خليل جبران تعبر عن فحوى العلم الذي يقدمه علماء النفس حاليًا، ويكشفون للأمهات والآباء أن أبناء هذا الجيل يفتقرون إلى الرعاية السوية، وهذا هو سر التمرد الشديد والعنف المنتشر بين الأطفال والشباب، فهم يحتاجون من والديهم الأمان والدعم، بلا قهر أو إلغاء لشخصياتهم، وحتى تقام مثل هذه العلاقة المتوازنة فالأمر يحتاج إلى جهد كبير من الآباء والأمهات، يبدأ بتغيير مفهومهم في معنى الأمومة والأبوة ودورهم ومسؤوليتهم، النابع من نشأتهم هم شخصيًا، وهذا ليس أمرًا سهلاً.
أول خطوة يرشدنا إليها علم النفس هو أن نكتسب الوعي بأن أبناءنا كائنات مستقلة لا مجرد امتداد لنا، فبدلا من أن يكون دافعنا للإنجاب هو رغبتنا في تخليد أسمائنا وذكرانا، أو تكوين عزوة وقوة لأنفسنا، علينا أن نجعل هدفنا هو مساعدتهم على تحقيق ما خلقوا هم من أجله.
هذا الوعي باستقلالهم وقيمتهم لذاتهم يخلق احترامًا، وحبًا، وثقة متبادلة بين الأبناء ووالديهم، فقدر كبير من تمرد الأبناء هو نوع من الدفاع عن النفس ضد ميل الوالدين لأن يجعلوا من أبنائهم مجرد امتداد لهم، وبالتالي لا يرونهم في ذاتهم أبدا، ويدعونا علم النفس إلى أن نرى كل طفل أو طفلة في تفرده، أي كما خلقه الله، ويكون دورنا هو الرعاية.. والاحتواء، لا التشكيل والسيطرة، وذلك من خلال بيئة تهيئ للأبناء نمو قدراتهم بحرية وأمان.
يقول معظم العلماء إن أحد أهم ملامح البيئة الآمنة هو احترام حق الأطفال في التعلم من الأخطاء، وينبهوننا إلى أننا حين لا نعي ذلك نؤدي إلى «تحجيمهم» في خبراتنا نحن، ونقتل داخلهم حب الاكتشاف الفطري، وبوجود هذه البيئة الآمنة يتحقق التواصل، لأن الطفل، أو المراهق يرسخ عنده الاطمئنان بأن وجوده مع أبويه لا يتضمن رغبة منهما في قهره، بل في تنمية إمكاناته وتلبية احتياجاته، فتكون اللحظات التي يقضونها معًا من أمتع ما تكون، فينصحنا الخبراء في هذا المجال بأن «نلعب» كثيرًا مع أبنائنا، لأن تلك اللحظات السعيدة تخلق ارتباطًا قويًا، وتُشعر الطفل أو المراهق باهتمام والديه به مما يعطيه ثقة كبيرة في نفسه.
ومما يقوي العلاقة السوية بين الوالدين والأبناء أيضا احترام مشاعر الطفل أيًا كانت، فمثلا إذا شعرت طفلة بالخوف لأي سبب لا نعتبره نحن الكبار يستحق هذا الخوف، يجب ألا نقول لها مثلا «لا تخافي» أو «لا يوجد ما يجعلك تخافين»، فمثل هذا القول يجعلها تشعر بأننا لا نصدقها، ولا نحترم مشاعرها، فتفقد الثقة فينا، وبدلا من ذلك علينا أن نظهر لها التفهم، ونطمئنها بحضن يهدئها، ثم نشرح لها أبعاد الشيء الذي تخاف منه بأسلوب يجعلها تكتشف بنفسها أنه ليس هناك ما يخيف.
من الأشياء التي ينصح بها أيضا الخبراء أنه في حالة وجود مشكلة ما عند الطفل، علينا ألا نسارع بتقديم حل للمشكلة، وإنما نعمل على تنمية دوره في حل المشكلة الموجودة، وذلك بالحوار الصادق والواضح الذي يجعله يختار بنفسه حلا يرتضيه، حتى لو تنازل عن شيء يحبه، وذلك يساعد كثيرًا في بناء شخصية مستقلة، وشجاعة.
ومن أهم ما يساعد الوالدين في تربية شخص ناجح وسوي إعطاء الطفل صورة إيجابية عن نفسه، فلا أبدا بكلمات سلبية مثل «أنت شرير» أو «أنت فاشل»، وغير ذلك، ويجب ألا نربط أبدا بين حبنا له وبين أفعاله، فلا نقول له مثلا: «أنا لن أحبك إذا فعلت كذا أو كذا»، فهذا مدمر لإحساس الطفل بالأمان، وإنما نصف له بصدق وموضوعية التصرف الأفضل، علينا أيضا أن نؤكد للطفل أن الخطأ جزء طبيعي من الحياة، وأنه فرصة للتعلم، وذلك لتحريره من الإحساس بالذنب، بنتائجه النفسية المدمرة، ويجب كذلك تشجيع الطفل حين ينجز شيئًا جيدًا، ونعبر له عن فخرنا به، ونجعله يسمعنا ونحن نتحدث عنه بشكل إيجابي مع الآخرين.
ولمساعدة الآباء والأمهات على اتباع هذا يوجه الخبراء لهم تلك النصائح:
المهمة صعبة.. لا تتعجل النتائج.. ولا تفقد الأمل.
لا تفقد الثقة في نفسك.. أو تشعر بالذنب.
كلما كنت متحققًا في ذاتك.. ستساعد أطفالك على التحقق.