استوقفني في العدد 1555 مشوار «سيدتي» إلى جزيرة الأمير إدوار في كندا؛ فقد تمّ التعّريف بجغرافية تلك الجزيرة، مناخها أرضها، وطبيعتها، إلى تاريخها ومعالمها الأثرية والحضارية.
وقد لفتني المقال بسبب علاقة خاصّة تربطني بالمكان، وتعود إلى منتصف خمسينات القرن الماضي، عندما هاجرَ إليها أخي الأكبر لبيب. إنما الهجرة اللبنانية الأولى إلى الجزيرة تعود إلى العام 1888.
وفي مرور مائة سنة أُقيمت للمناسبة احتفالات مسجّلةً الاهتمام الخاص بتلك الهجرة، إذ أن الجالية اللبنانية هناك ناشطة، وفاعلة. وقد أطلعتْ شخصيات ذات تأثير في المجتمع، كما في سياسة البلاد.
ففي ثمانينات القرن الماضي، انتُخب جوزف الغزّ رئيساً لوزراء المقاطعة. واليوم، وبعد رحيله وهو في الثانية والخمسين من عمره، يتولّى المنصب ابنُه روبرت، وبالانتخاب
لا الوراثة.
كما كان فرانك الزخم محافظ العاصمة في الفترة ذاتها.
ويتحدّر كلٌ من الرجلين من أُسر هاجرت من قريتي الجنوبية، الكفير.
<<<
إن معظم المهاجرين اللبنانيين في الجزيرة جاءوا من الجنوب؛ بالأخصّ من قريتَيْ دير ميماس والكفير، وذلك بشهادة مؤرّخ الجزيرة ديفيد ويل الذي وضع للمناسبة المئوية كتاباً عنوانُه «روافد من لبنان». وقد اعتمد في تأليفه على شهادات الروّاد وهجرتهم الأولى وفيها أغرب الحكايات.
<<<
وتحضر جزيرة الأمير إدوار في عدّة مقالات كتبتُها في إثر زيارات قمت بها إلى المكان، ثم جمعتها في كتاب عنوانه: أوراق منسية.
كما أن الجزيرة هي المكان الذي تدور فيه أحداث روايتي: «الإقلاع عكس الزمن». وقد تبنّتْ ترجمتَها، في إثر صدورها، دار راغويد للنشر بتمويل من وزارة الثقافة الكندية، التي اعتبرتها رواية الهجرة اللبنانية إلى كندا وقد صدرت الطبعة الإنكليزية مطلع عام 1987.
<<<
ربما اختار أبناء القرى الجنوبية ذلك المكان لهدوئه، ولأنه يُذكّرهم بالمكان الأول، تخفيفاً للحرقة التي تثيرها الهجرة في النفوس، إذ
لا تزال الطبيعة فيه صديقة الإنسان. فقد رفض سكان الجزيرة التدجين النهائي، وإدخال التقنيات العصرية المؤذية للبيئة ـ كما رفضوا الإغراء المادي الذي يجيء به إنشاء كازينو على غرار مونت كارلو، أو مصانع تلوّث البيئة.
وربّة البيت، في ذلك المكان، قلّما تضطرّ إلى مسح الغبار عن الأثاث. وقد أنشأت الدولة مصنعاً لتكرير مياه الصرف، كي تعود إلى البحر صافية، نقية مثل قطرات الغمام.
ويفاخر أهل الجزيرة بعذوبة مياه الشرب النقية، كما لو كانت تتفجّر من قلب صنّين.
وقد كنت شاهداً على صراع دار في المجتمع عندما قرّرت الدولة إنشاء جسر يربط الجزيرة بالبرّ المقابل. لكن المشروع نجح، وفي العام 1997 تمّ تدشين أطول جسر في حينه، ويبلغ طوله 12.9 كيلومتراً.
<<<
لم تقتصر هجرة عائلتي على الأخ الأكبر،
إذ لم يلبث ان لحق به الإخوة الثلاثة والأخت. وطالت إقامتهم هناك، ونمتْ عائلاتهم، ومدّت جذورها في المكان، ثم اتسعت الدائرة لتشمل الأولاد والأحفاد. وتبقى نقطة النار الدائمة اللهيب مغروسة في أعماق الجيل الأول.
<<<
هؤلاء هم من أثار العاطفة والقلم، فكتبت، في إثر هجرتهم، الرواية الأولى «طيور أيلول» وتلخّص حكاية القرية الباقية في الانتظار: إذْ لم أكن قد سافرت إلى ديار هجرتهم، ولذا تأخّرت رواية: الإقلاع حتى العام 1981، وكنت قد تعرّفت إلى جزيرة الأمير إدوار، وأقمت بين أهلها، وزرت معالمها، وبينها مزرعة القناطر الخضراء، التي خلّدتها روايات لوسي مود مونتغومري، خصوصاً في روايتها: آن أوف غرين غابلز.
<<<
في هذه الأصغر بين المقاطعات والجزر الكندية، تمّ التوقيع على وثائق الاتحاد الذي جمع مقاطعات كندا في دولة واحدة ذات نظام مركزي، مع المحافظة على الاستقلال الداخلي ونظام الحكم لكل مقاطعة.
<<<
هذه هي جزيرة الأمير إدوار، وأدعو عاصمتها شارلوت تاون قريتنا الثانية في الشمال، مقابل تلك القرية الجنوبية المقيمة في صقيع الانتظار.