لم أرها عندما قدمت، زوجي دخل وقال إن شاحنة محملة بالأثاث توقفت أمام الفيلا الجديدة، السكان الجدد على ما يبدو، كنت أعجن بعض الرغائف، وتكاسلت عن غسل يدي وفتح النافذة، البرد كان شديدًا. هززت كتفي بلا مبالاة، وانصرفت لشؤوني.
قابلتها أمام الباب في ظهيرة اليوم التالي، امرأة في عمري تقريبًا، شقراء الشعر، نحيفة القوام، التقت أعيننا، وهزت رأسها، وابتسمت لها، ولم تنطق أي منا بحرف.
إنها إسبانية، حارس الفيلا أخبرني، قال زوجي: «اشترت البيت، تريد أن تستقر في المغرب...»
لم يبد عليها أنها مستعدة للاختلاط بالجيران، التقينا عدة مرات في الأيام التالية، ولم يتجاوز سلامها هزة الرأس الباردة، ولم أجرؤ على مد يدي إليها.
تعمل في القنصلية الإسبانية، حاولي التقرب منها. قد تفيدنا يومًا... «نصحني زوجي»، ونهرته؛ ليس من عادتي التطفل على الناس، المرأة لا تريد أن تتعرف على أحد، الأمر واضح.
كانت تعيش وحدها، تركب دراجتها الهوائية كل صباح، وتذهب إلى عملها، زوجي تندر على الأمر كثيرًا، موظفة هامة في القنصلية... وتتنقل على دراجة هوائية؟ هو الذي لا يحصل على ربع راتبها يملك سيارة بوجو حديثة، كيف يفكر هؤلاء الناس؟
بشكل مختلف بالتأكيد، رددت عليه بنفاد صبر، وغيرت الموضوع، لن نحشرها في حياتنا، هي لا تشعر بنا، لا ترانا ربما.
ذات أحد خرجت باكرًا للتريض، ورأيته أمام الفيلا. رفع رأسه، ونظر إليّ، وتسمرت مكاني، عيناه البنيتان واسعتان جدًا، رأيت فيهما فضولا ًودهشة ونزقًا وشقاوة، أتت من خلفه، وتحرك بخطوات راقصة، مضيا دون أن تلتفت إليّ، بدت متعجلة.
قلت لزوجي: إن الإسبانية لم تعد تعيش وحدها، لديها الآن رفيق، لم يسمعني، صوت التليفزيون غطى كلامي، وانتباهه كان منشدًا للقطات كروية يعاد بثها ببطء.
التقينا صباح اليوم التالي، نظرت إليها وهي تودعه، قبلته مرتين، وانطلقت على ظهر دراجتها، قدم زوجي بالسيارة، وشعرت بالعينين البنيتين الجميلتين تلتفتان إليّ وترمقانني حتى لحظة اختفاء السيارة.
رفيق جارتنا أكثر رغبة منها في التعرف علينا...«قلت لزوجي».
عندما فتحت له الباب في المساء. «أين مفاتيحك؟» سألته، وبرطم بشيء لم أفهمه وهو يلتفت لصاحب العينين الجميلتين، الذي وقف عند عتبة الفيلا المقابلة، «هذا ما كان ينقص الحي!» علق بامتعاض، واحتججت عليه: «لا دخل لأحد بأحد، بيتها وهي حرة فيه، تسكن معها من تشاء...»
« صحيح...» رد وهو يدفعني بفظاظة أمامه «النساء ناقصات عقل...»
« أنت تغار...»
لم يكن لكلامي معنى، لكن العبارة أفلتت مني قبل أن أفكر، ابتعدت قبل أن يقول لي ما لا أود سماعه، وابتسمت لنفسي.
رفيق جارتنا الأجنبية كان فعلاً منشدًا إليّ، يلتفت إليّ كلما رآني، تتسع عيناه أكثر، ويتحرك باتجاهي، أرى اللهفة في احتفائه بي، وأبتسم وأكاد أمد يدي نحوه، أكاد... لأنني عندما أنتبه إليها قربه ألجم فرحتي وأتظاهر مثلها باللامبالاة.
لم تعد تهز رأسها لتحيتي، لم تعد تلتفت إلي، أرى أن للأمر علاقة برغبة رفيقها في التقرب إلي، وأشعر بالحرج، وأتفهمها أحيانًا، وأثور عليها أحيانًا أخرى، هي حرة، إن كانت ترفض أن تكون لها أية علاقة بنا، لكن هل من حقها أن تجبر غيرها على الالتزام بسلوكها المتعجرف المتعالي؟
فكرت في الأمر وأنا أقترب ذات صباح من رفيقها الجميل، تأخر زوجي في الجراج، واختفت هي داخل الفيلا.
بقينا ننظر لبعضنا ثوانيَ طويلة، عيناه الدافئتان تتطلعان إليّ بكثير من الود، وتتبسمان، وأنا في وقفتي المرتبكة على الطرف الثاني من الشارع، أبادله التبسم، وأذوب من الفرح والانبساط، تحرك باتجاهي، وتحركت، وكنت أسرع منه، وأكثر جرأة.
مددت يدي إلى شعره الأملس المنساب، وندت عنه صيحة فرح صغيرة، وقدما؛ زوجي ناداني بغضب من نافذة السيارة، ورفيقة صديقي الجديد خرجت وسحبته إليها ورمتني بوابل من الإسبانية المتداخلة التي لم أفهم منها حرفًا، لكنني فطنت إلى ما تقصده.
"آسفة..." قلت وخفضت رأسي وابتعدت.
"هل جننت؟" صرخ في زوجي عندما جلست قربه، "ما لك وهذه النجاسة؟ لا أريدك أن تقتربي منه بعد الآن! هل فهمت؟"
"أنت تغار، وهي تغار..." رددت، والتفت إلى صديقي المسكين؛ كلب الإسبانية الصغير، حملته بين ذراعيها، وصفقت باب الفيلا خلفها.
الاثنان يغاران من صداقتي لكلب صغير.