تُعتبرَ إميليا إرهارت أشهر امرأة في تاريخ الطيران. كما أنها أول امرأة تعبرُ المحيط الأطلسي.
<<<
بالطبع، لم يعد عجباً أن تقودَ المرأة طائرة، أو حتى مركبة فضائية في عصرنا الحاضر.
لكن تلك السيدة تجرّأت على القيام بمغامرتها الرائدة قبل تسعين سنة. وقد تحوّلتْ سيرتُها إلى أسطورة في حياتها، كما بعد موتها.
<<<
وُلدت إميليا في 24 تموز من العام 1897 في مدينة أتشيسون في الولايات المتحدة الأميركية، من أسرة عريقة في العلم. لكن الفتاة، إلى جانب طموحها في الدراسة، كانت تحبّ القيام بمغامرات، مثل ركوب الخيل أو صيد السمك.
<<<
وفي مرحلة باكرة من حياتها، بدأت تشعر بعدم المساواة بين الرجل والمرأة، إن في فُرص العلم أو العمل، فراحت تسعى كي تبرهن أنها لا تقلُّ قدرة عن الرجل؛ فقامت بدراسة ميكانيك السيارات؛ لكن الطبّ ظلّ هدفها الأول. وغايتها المساعدة الإنسانية.
ثم لاح في أفق حياتها نور جديد: الطيران، والذي كان في نظرها يمثِّل كلَّ التحدّي، بل المستحيل.
<<<
لماذا لا تتعلّم المرأة قيادة طائرة؟ طرحت هذا السؤال على نفسها، ثم أنفقتْ سنواتها التالية في محاولة الردّ عليه، وبكل ما توفّر لها من وسائل.
وفي أحد الأيام حضرت استعراضاً للطيران، أُتيحت خلاله للحضور فرصة المشاركة في التحليق لمدة عشر دقائق، مقابل دولار واحد فقط. ولم تُفوِّتْ تلك الفرصة، فطارت. وأبصرتْ من الأعالي ما لا تراه العين في مستوى التراب.
وحال هبوطها راحت تسعى نحو تحقيق ما كانت تحلم به وتطمح إليه، إذ أنها، من خلال التحليق في ذلك العلو، أدركت أنّها خُلقتْ لكي تطير، وأنه لم يسبق لأيّ عمل قامت به في حياتها، أن ترك في نفسها ذلك التأثير. فقد شعرتْ بأن السعادة كلُّها تكمن في التحليق، حيث الحرّية والانعتاق.
<<<
وإذْ لم يكن لديها المال لتدفع كلفة التعليم، راحت تعمل في عدّة وظائف، حتى جمعت ما يكفيها لتدفع كلفة التمارين.
وقد لقيتْ تشجيعاً ومساندة قويّة من والدتها؛ وكانت تثق بها، وبقدرتها، حتى أنّها، في عيدها الخامس والعشرين، أهدتها طائرة مستعملة لتتابع فيها تمارينها.
<<<
وعندما أقلعتْ في طائرتها منفردة، كانت نظراتُ والديها ترافقها وترعاها. وقد حلّقتْ لمدة ساعة. وعندما حطّت بها الطائرة، سارعَ المشرفون على تدريبها لفحص ميزان الارتفاع ليكتشفوا أنها طارت على علو أربعة عشر ألف قدم، مسجّلة رقماً قياسياً في الارتفاع. وكان ذلك في العام 1922. وقد نالت الشهادة، وبات بإمكانها أن تطير.
لكن، من يضع حياته بين يدي امرأة؟ وهذا ما دفعها إلى البحث عن عمل يُعيلها، فوجدتْه في بوسطن، حيث تولّتْ تعليم اللغة الإنكليزية لأبناء المهاجرين من الصين وسوريا ولبنان.
إنّما ذلك العمل كان آنياً. وظلّ طموحُها الأول الطيران. ولم تلبث أن التحقتْ بجمعية الطيارين. وانتُخبت نائبة الرئيس. وكانت تمارس الطيران في أوقات الفراغ أو خلال عطلة الأسبوع.
وعندما قام شارلس لندبرغ بالرحلة الأولى في التاريخ لعبور المحيط الأطلسي بطائرته منفرداً، هزّها الحدث، وكأنّه رسالة موجّهة إليها وتتحدّاها: إذا استطاع هو القيام بتلك الرحلة، فلماذا لا تتمكّن هي من القيام بذلك؟
<<<
وجاءتها الفرصة الذهبية في العام 1928 عندما اتصل بها الطيار هيلتون رايلي وسألها إذا كانت مستعدّة للقيام بتلك الرحلة بالذات، فأجابت من دون أي تردّد: نعم.
<<<
وكانت هناك سيدة ثرية. وتحبّ المغامرة مثلها، واسمها: إيمي غيست. وقد اشترت طائرة خاصة، وراحت تبحث عن امرأة محترفة ترافقها، فاختيرت إميليا للقيام بتلك المغامرة.
<<<
واغتنم الناشر جورج بالمربوتمان الفرصة ليحوك الأسطورة، ويتابع مسار المغامرة. وقد كتبتْ إميليا وصيّة أودعتها صديقها سام كي لينفّذها في حال فشلت الرحلة.
وأُطلق على رحلة العبور تلك اسم «طيران الصداقة».
وقد كتبت في وصيتها:
«إذا نجحت الرحلة فهذا حسن، وإلا فيبقى أسفي الوحيد هو غيابي عنك وعن الوالدة».
<<<
وفي الثالث من شهر حزيران 1928 انطلقت الطائرة برحلة الصداقة؛ بينما هرع الناشر إلى عقد مؤتمر صحفي أذاع خلاله أن امرأة تعبر المحيط الأطلسي بالطائرة ولأوّل مرّة في التاريخ.
<<<
بعد هذا النجاح الذي حققته إميليا، تابعت الطيران. وفي رحلة قامت بها من مطار ميامي، انطلقت مع زميلها الطيّار فريد نونان في أول رحلة رسمية حول العالم. وبعد الإقلاع ببضع دقائق، بثت محطات الراديو نبأ اختفائهما.
لقد نجحتْ في تحقيق الجزء الأول من الرحلة لكنها ضلّت السبيل في طريق العودة.
وأصبح نبأ اختفاء إ ميليا أسطورة ترجّعها أجيال.
وبذلك حققت قولاً كانت تردّده بسخرية «عندما أرحل أفضّل أن يكون رحيلي في طائرتي وبأسرع ما يمكن».