كلما طالعتني دراسة استقصائية تُجريها مؤسّسة أو هيئة، تنهض التساؤلات عن معناها ومغزاها.
<<<
وفي آخر ما قرأتُ في هذا السياق، دراسة أجرتْها مؤسسة «يوغاف» في بريطانيا، وعنوانُها: «المرأة الأكثر تأثيراً في العالم».
وجاءتْ رئيسةُ الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر، في الطليعة. وهي مَن كانت تُلقَّب بالمرأة الحديدية.
وقد حصلتْ على 32 بالمائة من الأصوات؛ وذلك بعد انقضاء عشرين عاماً على تركها السلطة.
ويبدو أن الكتاب الذي نشرتْهُ عنها ابنتُها، وروت فيه عن حالة النسيان التي أصابتْ أمَّها، حتى أنها تنسى أحياناً بأن زوجها توفي، لم يؤثّر كثيراً على شعبيتها.
<<<
وقد وردتْ في الدراسة أسماء لنساء برزن في مجالات مختلفة؛ مثل الأمّ تيريزا، والنجمة التلفزيونية أوبرا ونفري، والملكة اليزابيث الثانية وميشيل، زوجة الرئيس الأميركي باراك أوباما.
<<<
أما المرتبة الثانية على اللائحة، فقد احتلَّتها الممرّضة البريطانية فلورنس نايتينغيل، والتي اشتهرت خلال حرب القرم، وتوفيت عام 1910، وقد نالت 26 بالمائة من الأصوات؛ أي بزيادة صوتين عن الملكة اليزابيث التي جاءتْ في المرتبة الثالثة، إذْ كانت حصّتُها 24 بالمائة من الأصوات.
أمّا وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايْس فقد احتلّتْ المرتبة الثامنة، بنسبة 19 بالمائة من الأصوات.
ويأتي الالتزام في طليعة الصفات التي اختيرت على أساسها النساء الأكثر تأثيراً، إلى جانب العمل الجادّ، والذكاء والاستقلالية.
<<<
جيّد أن تلتفتَ الدراسات والإحصائيات إلى ما تقوم به المرأة، وتُبرز جهدَها وتميُّزَها، حتى ولو كان على هذه الصورة التي تتفاوت فيها شخصية المرأة، من العاملة، إلى الملكة؛ خصوصاً وأن الدراسة استبعدتْ المظهر الخارجي الذي يلفت، بل ويطغى في حضور النساء.
أما الناحية الإيجابية الأهمّ، فهي تقديم الصفات الجدّية من عمل أو سعي، في سبيل التقدّم، وهذا مقياسُ وعي ورقيّ.
<<<
كان من الطبيعي أن تُركِّز دراسة أُجريتْ في بريطانيا حول شخصية المرأة من وجهة نظر ذلك البلد. وحبّذا لو تقتدي بها مؤسساتُنا العربية، خصوصاً تلك التي تهتمّ بتقدّم المرأة، وحضورها في العمل كما في الحياة العامّة؛ لأن الصورة الطاغية على حضور المرأة عندنا تكاد أن تكون ذات وجه واحد، هو المظهر الخارجي للمرأة، ويكون التركيز على نسبة الإغراء الجسدي في معظم الأوقات. وقد تضاعف وتنامى بسبب الصورة، خصوصاً لدى المرأة العاملة في مجال الإعلام المرئي.
وبينما تُطلُّ المذيعة في محطّات أجنبية بمظهر رصين، يوحي بالجدّية، لأن السيدة في مركز عمل، وهي هناك حاضرة مثل زميلها الرجل، لكي تعمل، لا لتعرض مفاتنها.
مقابل ذلك، لا تتورّع بعض المذيعات من الكشف عن المفاتن، والظهور بمظهر الإغراء، وكأنهن في سهرة راقصة.
ويتكرّر المشهد مع إطلالة نساء يقدّمن برامج إعلامية أو ثقافية.
وكأنّما التعرّي، والكشف عن المفاتن هو من بعض أدوات العمل، ومستلزمات الوظيفة بالنسبة للمرأة. وبالطبع تلك ليست الحال مع زميلها الرجل.
<<<
لا أحاول أن أكون مبشّرة أو داعية أخلاقية. إنما لا يسعني إلاّ أن أتوجّه بالسؤال إلى الصبية التي تدير دفّة الحوار، وتطرح أسئلة جدّية، في الثقافة كما في الشؤون العامة، بينما جسدها يطرح أسئلة مختلفة، ويقدّم صورة، تعكس في نظري التخلّف الفكري، وهي تحاول أن تعوّضه بالحضور الجسدي.
<<<
إني مع الحرية، في السلوك كما في المظهر؛ إنما أحبّ، أيضاً، أن تحترم المرأة جسدها، فلا تتبذّل، أو تستخدمه تعويضاً عن نقص في الذكاء.