عزيزي الأمس
أعلم أن ما حدث لك أو ما حدث لي بك لن تنساه، ولن تمحوه من دفاترك العتيقة التي تشبه بملمسها الخشن كلماتك وضحكاتك المبحوحة.
أعلم أنك لن تجعلني أنا أيضاً أتمكن من نسيانه وتخطيه بسهوله، وأنك ستعود إلي في كل مرة لتذكرني به، تارة لتستنجد الدموع حتى تتساقط حنيناً لك ولرائحتك التي تشبه رائحة الأمطار حينما تمتزج مع الأتربة بعد جفاف طالت مدته، وتارة أخرى لتثير ندمي على ما ارتكبته معك والأكيد أنك ستفعل هذا بنية وقصد أن تربطني بك أكثر فتضمن أن تكون معي على مر الأزمنة الثلاثة.
أعلم أنك تختلف كثيراً في وجهة نظرك مع المستقبل وتجد أنك الأحق منه مكانة وشأناً وأنك من تحدد وترسم خطوطه لا أنا ولا هو، أعلم جيداً أنك لا تحترم الحاضر، تتدخل في كل كبيرة وصغيرة به، تفقده تركيزه حينما يحاول تجاهلك، تشركه بهمومك القديمة حتى تسيطر على ذاكرته البيضاء، وتحاول دوماً أن تعيق سرعته للوصول إلى المستقبل.
أعلم أنك تعتقد أن كافة الأزمنة لها مصير واحد في النهاية وهو "أنت"، وأن كل من تنكر لك يوماً سيعود لينضم لك راجياً إياك أن تدونه في دفاترك العتيقة ذاتها.
كل هذا أعلمه وأفهم ما تحاول أن تقوله لي، لكني أرفض فكرة أن الأزمنة تلتقي دوماً، وأنها لا تلتقي إلا لتكون ماضٍ عشناه أو حدد ما سنعيشه من بعده.
لن يتكرر منك شيئاً إلا بإرادتنا، والنسيان هو من سيغلبك لا نحن، فهو أحن منك علينا ويعرف ما يؤذينا منك ويحاول دوماً أن يتخلص منه، حتى وإن انتصرت على بعض أيام حاضرنا لن تكون في سنين المستقبل، لن نرى منك إلا ما نريد رؤيته ونسعد بوجوده منك.