فقرة قصيرة، فيها الكثير من العبارات الإنشائية، تتضمّن جملاً محضّرة سلفاً، نتناولها من ثلاجة المناسبات السعيدة قسم الأعياد.. قد نذيب عنها الجليد بإضافة إشارة قلب أو وجه باسم، وقد نزيّنها بباقة ورود وهمية نختارها من حديقة ذاكرة الهاتف الافتراضية، وقد نذيّلها باسمنا، أو نتجاهل كتابته عمداً تسهيلاً لإعادة إرسالها من المتلقّي إلى متلقٍّ آخر، وبنقرةٍ على الشاشة الملساء، نرسلها إلى قائمة طويلة من الأصدقاء، قد يقرؤونها ليردّوا بمثلها، أو لإعادة إرسالها، وقد لا يفعلون مللاً، أو عدم اكتراث، وقد تضيع في زحمة الرسائل الهاتفية فتستقرّ في لائحة الرسائل غير المقروءة حتى إشعار آخر..
نرسل هذه الرسائل لمعايدة أهلنا وأصدقائنا ومعارفنا، رسائل باردة، الكلمات فيها خرساء لا صوت لحروفها، والقلوب التي تحتويها لا تنبض بحياة، والورود التي تزينها لا عطر فيها ولا عبق.. رسائل صامتة، ليس فيها لهفة الـ "عساكم من عوّاده"، حين تقال على عتبة بيت مزيّن لاستقبال العيد، ولا فيها موسيقى الـ "كل سنة وأنتم طيبون"، حين تنهمر من أصواتٍ مُحِبّةٍ يتخلّلها رنين قبلات على الخدّين والجبين، وتلامس الكفوف المفتوحة لمصافحة حميمة..
نتأنّق من بعدها، ونزيّن أولادنا لصورة العيد. صورة العيد التي ستلتقطها كاميرا هاتف محمول، نستجدي من أولادنا ضحكة ونظرة ثابتة إلى العدسة، مستعجلين لنقفز فوراً إلى مواقع التواصل الافتراضية لتحميل الصورة.. طبعاً بعد فلترتها وتجميلها وتحسينها! لننتظر من بعدها عدد "اللايكات" والتعليقات، ولنردّ الجميل بدورنا بنثر التعليقات، وتوزيع الإعجابات على صور الآخرين وتعليقاتهم..
صورنا وصور الآخرين، صور لا نعرف ما خلفها، ولا ما خلف الوجوه التي فيها.. يجهد المبتسمون فيها ليظهروا على أجمل هيئةٍ، طمعاً في أكبر عدد من كلمات الإعجاب.. صور تبقى نائمة في ذاكرة الإنترنت، في أدراجه الوهمية المظلمة، معرّضة للضياع عند أي لمسة خاطئة.. صور قليلة الحظّ فلا يُحفَظ جمالها على ورقة متينة، ولا نحضّر لحمايتها أجمل الألبومات، ولا نزيّن بها طاولاتنا أو مكاتبنا، ولا حتى جدران غرفنا..
هكذا أضحت أعيادنا للأسف، صار التواصل فيها افتراضياً، وصول مشاعرنا يعتمد على مزاجية وسرعة شبكة الإنترنت. جمال صورنا في المناسبات السعيدة يُقاس بكمية عبارات الإعجاب التي نتلقاها، كلماتنا بلا روح تنتقل محمولة على ظهر الرسائل الإلكترونية بلا دفء صوت حبيبٍ أو لهفة الشوق من صديقٍ أو قريب..
اللهمّ إلا من بعض الناس، الذين لايزالون مصرّين على التزاور في الأعياد، والتهادي وتبادل التهاني والتبريكات، وجهاً لوجه، وقلباً لقلب، وعيناً لعين.. فلنكن من هؤلاء فليس أجمل من دفء المشاعر الحقيقية عند اللقاء، وأنس المحبة في نظرات العيون المتشابكة، وحرارة الودّ في مصافحة الأقارب، وأمان الانتماء في معانقة الأهل..
وكلّ عام والجميع بخير، أعاده الله علينا وعليكم بالفرح والصحة والستر والرضا..