الفراشة على الرغم من جمالها فهي حشرة، والصّبّار على الرغم من قسوته زهرة، فلا ينبغي الحكم على النّاس من خلال أسمائهم وأشكالهم، بل بما تحتويه قلوبهم، فظروف النّاس مدفونة في دواخلهم ويجب عدم التّسرّع بالحكم عليهم، لأنّه لا يعلم بالقلوب إلّا ربّ القلوب، وكلّ منا يصادف في حياته أناساً يمتلكون مفاهيم خاطئة عن الآخرين كانت بمثابة جدارٍ يمنع اندماجهم بسبب أحكامهم المسبقة عنهم بأنّه إنسان مغرور أو بخيل أو متكبّر.
تختلف معادن النّاس ولا يمكن معرفتها إلّا عند الاقتراب منهم والتّعامل معهم، فكم من شخصٍ نُعِت بالتّكبّر ولا يحبّ غيرَ نفسه، وعند مجالسته وتبادل أطراف الحديث معه يتبيّن أنّه يمتلك من الصّفات أجملها، كاللّطافة والتّواضع، ما يدعو لعدم الحكم على الإنسان وفق ما يُشاع عنه، لأنّ عشّاق التّأليف كثيرون فقد نظلم عزيزاً وقد نرفع رخيصاً.
إنّ الحكم على الأشخاص وتقييمهم لا ينبغي أن يكون بناءً على تصرّفٍ وتحدٍ عن الشّخص، بل لا بدّ من التّعامل معه عن كَثب والتّأكّد من مدى أخلاقه أو مبادئه أو أيّ طبع آخر، فهدوء الشّخص وتعامله بلطفٍ مع الآخرين لا يعني أنّه خالٍ من مشاكل الحياة وصعوباتها، ولا يعني كذلك أنّه يعيش حياة هانئة، فهدوء المقابر لا يعني أنّ الجميع في الجنّة.
إنّ الحكم المسبق على الأشخاص أنّهم ينتمون لبلدٍ ما أو يتّصفون بصفاتٍ معيّنة أو آراء توارثتها الأجيال يُعدّ ظلماً كبيراً، وغالباً ما يؤدّي إلى النّدم وإصدار أحكامٍ سريعة ومسبقة، من دون التّحقّق من صحة ما يتمّ تناقله وتداوله، وقد كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يُحسن معاملة جميع النّاس، وكان يدعو للتّمهّل في الحكم وحسن الظّنّ لحين التّعرّف إلى أخلاقه وثقافته وطباعه، لأنّ تعميم الحكم أمرٌ خاطئ، والكلام بحقّهم جرمٌ عظيم، قال تعالى: (إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علمٌ وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم).
إنّ من الجهل الحكم على الأشخاص وتعميم ذلك على الجميع والتّحدّث بإشاعتها، بل يجب معاملة الجميع بالعدل، بعيداً عن التّعصّب وتصنيف النّاس حسب انتمائهم الجغرافي أو صفاتهم الجسديّة أو الأخلاقيّة أو ثقافتهم، وتنشئتهم التي تلعب دوراً مهمّاً في إعطاء صورة سلبيّة أو إيجابيّة عن الآخرين، وبالتّالي انتشار الأفكار الخاطئة الّتي تؤدّي لتشويش المجتمع، وينبغي نشر الوعي الأخلاقي، كذلك تسليط الضّوء على أهمّية الكلمة الطّيّبة والمعاملة الحسنة وعدم اتّباع شائعات ماضية من دون التّأكّد من صحّتها، فماضي الألماس كان فحماً.