mena-gmtdmp

التّربية بين الحاضر والماضي

الدكتورة مايا الهواري
مايا الهواري
مايا الهواري

البساطة والقناعة عنوان الحياة في الماضي، بينما الحياة اليوم لا تخلو من التّعقيدات والمشقّة، فالانفتاح التّكنولوجيّ كان عاملاً مساعداً للأبناء على معرفة العالم الخارجيّ، ما جعل الآباء أمام فجوة كبيرة بين تربيتهم البسيطة والتّربية في الوقت الحاليّ، بما يتطلّبه الأبناء من أساليب حديثة وسلوكيّات حياة بعيدة كلّ البُعد عن حياة الماضي.
هنا يجب لفت الانتباه إلى أنّه ليس مبرّراً إن عانى الإنسان فقراً أو قسوة في طفولته أن يعاني أبناؤه ذلك حتّى يتعلّموا ويتأدّبوا ويكونوا رجالاً أقوياء، وهذه القاعدة مغلوطة؛ لأنّ أساليب ووسائل الحياة اختلفت، فالّذي لم يتوافر لطفولة الآباء، قد يكون من أساسيّات طفولة الأبناء، وعلى الوالد أن يسعى جاهداً لتأمين حياة لأبنائه أفضل من حياته، وأن يكونوا فعّالين في المجتمع ويقدّموا له أكثر ممّا قدّمه ويقدّم له.
إنّ من الخطأ مقارنة جيل اليوم بجيل الماضي، وذلك بسبب الانفجار المعرفيّ الّذي جعل الجيل الحاليّ متّطلعاً على العالم الخارجيّ والمعلومات الحديثة المتجدّدة كلّ بضع ثوانٍ مقارنة بأسرة الماضي وعلاقاتها المحدودة والمحصورة بين الأهل والأقارب والجيران، لكنّ الّذي لا يختلف عليه اثنان هو أنّه يجب صقل شخصيّة الأبناء وتثقيفهم وتعليمهم تعاليم دينهم وعاداتهم وتقاليدهم، واحترام الصّغير للكبير، وكلّ ما يتعلّق بالصّفات الحميدة كالصّدق والاحترام والنّزاهة والحوار البنّاء وأن يتمّ زرع تقدير الذّات وتحمّل المسؤوليّة في دواخلهم تجاه أنفسهم وتجاه غيرهم، حتّى يتعلّموا من أخطائهم دروساً مع المراقبة المستمرّة من قِبَل الأهل، الّذين تقع على عاتقهم مهمّة كبيرة وعليهم ردم الفجوة بين الجيلين من خلال ترسيخ القيم والعادات والتّقاليد الصّالحة لكلّ زمانٍ ومكان لدى الأبناء، مع مواكبة التّطوّر التّكنولوجيّ بما يخدم هذه التّربية السّليمة، فينشأ جيل واعٍ مثقّف محترم للعادات، وهنا تتحوّل المشكلة إلى علاقة جيّدة تربط تربية اليوم بالأمس.
إذاً ينبغي على الآباء مراعاة تغيّر عادات وأساليب التّربية المختلفة بين زمان ومكان، بما لا يتعارض مع الأخلاق والتّعاليم الدّينيّة والعادات والتّقاليد والتزام الأدب والحكمة والتّنويع بين اللّين والشّدّة، والتّرغيب والتّرهيب، بما يخدم مصلحة الأسرة أوّلاً والمجتمع ثانياً، وبما يعود بالفائدة على الجميع، فالأبناء هم جيل المستقبل الواعد.