عالم الطّفولة عالمٌ محفوف بالمخاطر، سواء كانت حقيقيّة أو من نسج الخيال، وكلّ شخص خلال طفولته مرّ بمخاوف عديدة بعضها يتلاشى مع مرور الوقت، وبعضها الآخر يبقى أثره حتّى البلوغ متمثّلاً بالقلق غير المبرّر، والاضطرابات النّفسيّة النّاتجة عن قلق الآباء على أبنائهم، هذا القلق بات أمراً طبيعيّاً لدى الأهل بدافع تربيتهم ومتابعتهم، ما ينعكس سلباً على الأبناء لإحاطتهم بالأسئلة والاستفسارات الّتي تتطلّب إجابات، وكذلك أمور المنع والرّفض وتلقّي الأوامر والنّهي، ما يجعل الطّفل مقيّداً ولا يستطيع تنمية شخصيّته وصقلها بشكل جيّد، ذلك أنّ بناء الطّفل يكون أساسيّاً خلال السّنوات الأولى من عمره، والأمر المهمّ الّذي يجب أن يدركه الوالدان أنّ الحرص والقلق الزّائدين يجعلان الطّفل اتّكاليّاً، غير واثق من نفسه، انطوائيّاً، ذا شخصيّة متردّدة غير قادرة على اتّخاذ قراراتها، دائم الخوف والحذر، ما يجعله عرضةً للضّغط النّفسي عند الكبر من دون أن يعلم أسبابه المباشرة، ومن الممكن ألّا تجتمع كل هذه الصفات بشخص واحد جملةً واحدة؛ إنّما حسب طبيعة الشّخص.
والحياة مليئة بأمثلة توضح اتّباع الأهل أسلوب الضّغط والمراقبة الصّارمة في حقّ أبنائهم، ما يؤدّي لدخولهم عالم الإنترنت وغرف الشّات والتّعرّف إلى الجنس الآخر، وقد تصل الأمور لنتائج لا تُحمد عُقباها، خاصّةً أنّ الشّباب في سنّ البلوغ يحتاجون من يحتويهم ويكون لهم صديقاً قبل أن يكون أباً أو أمّاً، وأن تكون المراقبة عقلانيّة وموجِّهة للأبناء، لا مراقبة قمعيّة تسلّطيّة والمثل يقول: (كثرة الضّغط يولّد الانفجار)، وأن يتّبع الوالدان أسلوب الحوار الرّاقي مع فلذات أكبادهم واحتضانهم واحتوائهم حتّى لا تحتويهم أحضان الانحراف ويقعون فريسة الخطأ، وأيضاً زرع بذور الثّقة داخلهم منذ نعومة أظفارهم، لتكبر داخلهم كالشّجرة ما يجعل ثقتهم بأنفسهم تعانق السماء، وبالتّالي تنعكس هذه الثّقة على مجتمعهم ومن حولهم، الأمر الذي يردم الفجوة بين الآباء والأبناء، ويبني جداراً قويّاً يستند عليه الأبناء عند تعرّضهم لمشاكل يجدون في والديهم الملجأ الوحيد للخروج من المأزق بدلاً من طلب المساعدة ممّن ليسوا أهلاً لذلك، وينبغي اتّباع استراتيجية الثّواب والعقاب، وكذلك استبدال الخوف الزّائد بإعطاء الثّقة والحرّيّة المنظّمة مع المراقبة والحوار المتواصل، خاصّةً في الأمور الدّقيقة الّتي تطرأ على حياة الأبناء عند البلوغ، ويطلب معرفة أصدقائهم وماهيّة الأشخاص من حولهم، وتثقيفهم للعمل على كيفيّة التّعامل مع النّاس حسب شخصيّاتهم المختلفة والمتنوّعة.
وأخيراً يجب منح الأبناء الثّقة والجرأة لمواجهة الآخرين، وخاصّة أيّ تنمّر يتعرّضون له، وإكسابهم مهارات التّواصل والدّعم الإيجابيّ بشكله المادّي، من خلال الهدايا، أمّا المعنوي فيكون بابتسامة أو مدح، وبالتّالي ينشأ جيل واثق من نفسه قادرٌ على بنائها، وبناء المجتمع، والسّعي قُدُماً نحو الأفضل.