من صفات الله تعالى العدل، الحقّ، وهو العدل؛ لأنّه لا يظلم أحداً، وحاشى لله أن يُنسب إليه الظّلم، فهو الحَكَمُ العدلُ اللّطيف، لطيف بعباده، منزّه عن كلّ النّقائص، لا ينسى ذنب أحد، ويكون الجزاء من جنس العمل، فلكلّ إنسان رقيبٌ عتيدٌ يسجّل ما يقوم به من خير وشرّ، فإن فعل المرء ذنباً ثمّ تاب عنه، فإن كان هذا الذّنب فيما يخص العباد، ينبغي أن تعود الحقوق إلى أصحابها، وهذا ما يسمّى في عالم المحاكم البشريّة "الحق الخاصّ". أمّا الحقّ العام فهو ما يتعلّق بأمور الدّولة جميعها، فمثلاً حقّ الحياة، فمن واجب الدّولة الحفاظ على حياة أفرادها، وفي الوقت نفسه كلّ شخص مسؤول عن حماية حياة الأشخاص، وإن حصلت مشكلة في التّعدّي على حياة أحدهم، وجَب الحقّ الخاصّ والاقتصاص من الجاني، ولكن حتّى لو تمّت تسوية الوضع بين الطّرفين يبقى ما يسمّى "الحقّ العامّ"، بسبب ما نتج من ذلك من فوضى واضطراب وقلق بين عامّة النّاس، حتّى إن لم يستطع المرء أخذ حقّه في محكمة الدّنيا، فيفوّض ملفّه لمحكمة السّماء؛ حيث العدل الإلهيّ والله أحكم الحاكمين لا يضيع عنده شيء أبداً.
من زرع خيراً سيلقى خيراً، والعكس صحيح؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل، والله تعالى لا ينسى أحداً أبداً، لذلك من عجزت محكمة الأرض عن إنصافه، توجّه إلى محكمة أعدل الحاكمين، إلى محكمة السّماء، وحاشى لله أن يردّ دعوة المظلوم بمجرّد أن يفوضّ الإنسان أمره لله، أو يحتسب أمره عند الله، فيقول المرء: حسبي الله ونعم الوكيل، لتصبح قضيّته بين يديّ أحكم الحاكمين، وتدور الأيام وكلّ فرد يأخذ حقّه. وهنا، على الإنسان أن يكون فظناً، وينتبه لتصرّفاته مع الآخرين، ويشكر الله على ما أنعم عليه، والمرض نعمة من الله؛ لأنه لولا هذا المرض لما أدرك نعمة الصّحّة، فلا يعرف قيمتها إلّا من فقدها، لذلك يُقال: (الصّحّة تاج على رؤوس الأصحّاء).
حاشى لله أن ينسى شيئاً، وتدور الدّنيا ليتمّ الاقتصاص من الظّالم ويأخذ المظلوم حقّه، لذلك أيّها الإنسان انتبه لتصّرّفاتك ألّا تظلم أحداً حتّى لا تعود عليك مظلمتك، بل اعمل خيراً وحسناً حتّى يعود عليك كلّ ما هو جميلٌ، فالدّنيا دوّارة، وأجمل ما فيها أن تعود محمّلة بالخيرات نتيجة ما زرعت، فما تزرعه ستحصده لا محالة، فازرع خيراً لتلقَ خيراً.