كان بودك لو استطعت أن تقسو عليه بشدة، وأن تسرق منه لحظاته القاتمة، لكنك أنت من تشبثت به وانطفأت، حاولت جاهداً أن تغيّر ملامحه الحزينة لعل الشمس تشرق بشكل أسرع، لكنك لم تستطع بعد أن خانتك أفكارك معه طوال ساعات الليل، ولسوء حظك أن الشمس تواطأت هي الأخرى من دون علم منها، تحسبك لم تسمع ما يدور بينهما، فانتظرت خجلاً ورأفة حتى تمكن الظلام منك، ولم تلحظ إشراقتها المتأخرة على غير العادة!!
في المرات التي كنت فيها تفكر في مستقبلك كان موجوداً وحاضراً لحظتها فما استطعت التفكير ولا الهرب وعلقت بالماضي وباليوم تحديداً، وأخذت تكرر خيباتك وتحث الألم ليشعرك بأنه هنا معك؟
في الأيام العادية هل تقاوم التعامل معه حتى وإن أجبرت على لقائه؟، كونه الزائر الدائم للدوائر والعلاقات المحيطة بك، صبور ومثابر يظهر لك كل مرة بهيئة جديدة، إما أن يلتصق بأحاسيس أصدقائك وكلماتهم، وإما بسوسة لا صحة فيها من أجل إصابة أحد أفراد أسرتك به.. وفي أحيان أخرى هل تراه يأتيك متحدياً بحقيقته وصورته المتجردة، واثقاً من استقبالك له بالشكل المناسب فتغلق الباب على كليكما وتسمح له في المكوث لتعيده صغير الحجم كما كان ومن حيث أتى؟
قد يبحث عن أساليب لاستدعاء أفكارك السوداء فتستسلم له، لكنك ستعود إلى نفسك تائباً قبل فوات الأوان، وإن أرهقك تكرار هذا الذنب وعجزك عن السيطرة أمامه أليس كذلك؟
هل تصاب بالهلع بسببه رغم معرفتك الوطيدة بهشاشته؟! إذاً احذر أن تفرغ طاقتك وتمده بالقوة فتنقلب هشاشته عليك، لأنك هنا ستتعثر وتفقد اتزانك في هاوية لا تحتوي على مصعد لتهبط منه الطمأنينة فتخفف عنك، ولا حتى ستصل إليك يدها لتربت عليك.
كل ما يحدث معك يدعى القلق الذي يترسخ في لحظاتنا المنكسرة التي لم تخرج إلى مرحلة التسليم، وفي ردود أفعالنا غير المتناسبة مع حجم الفعل والموقف، في زلة ألسنتنا وغضبنا غير المبرر، وهو السبب وراء خوفنا من التغيير والنجاح وكل ما هو جديد، هو انجذابنا لتلك الإشارات السالبة التي تمر من جانب أفكارنا وهي تمشي بالقرب منا مصادفة، وهو من يفسد نظرتنا للأشياء ولذتنا بها.
القلق ليس لك، بل أنت من تلهث لتقدم نفسك له، ومع أنك تشعر به إلا أنك تنكر وجوده وتخفي أسبابه وتكذب على لسانه، فيتحول من شعور عابر إلى حالة مرضية تأبى الرحيل عنك.
القلق هو كأي شعور إن لم يأخذ نصيبه منك، سيبقى على أمل أن تعترف بوجوده في أحد الأيام، وبهذا لن يتخلى عنك ولن تسمح له أنت بالرحيل.. فلو كان هناك قلق فمن الطبيعي أن يكون له داعٍ في هذه المرحلة شرط ألا يتعدى حدود المنطق ولكل منا منطق خاص به..