يقول المتنبي:
وفي النّفس حاجاتٌ وفيك فطانةٌ سكوتي بيانٌ عندها وخطابُ
فالفطنة أو الفطانة هي قوة استعداد الذّهن لإدراك ما يرِد عليه، وهي مهارة، حذق، حكمة، تبصّر و بُعد نظر.
جميلٌ أن يكون الإنسان فطناً ولديه فراسة، وأن يتعلّمها بطرق عدّة، وذلك من خلال معاشرة ومخالطة النّاس، فالحياة مدرسة يتعلّم منها الفرد معلومات كثيرة ويكتسب خبرات جمّة، كذلك يتعلّمها عن طريق الصّمت، الإنصات، ملاحظة تعابير الوجه وحركات الجسم، هذه الجوانب المهمّة يمكن أن تساعد على التّعلّم، فالطّفل الصّغير لم يلبث له أن يكتسب من مهارات الحياة، ولكنّه يمتلك فطنة، إذ يمكنه أن يميّز الحالة النّفسيّة لوالدته إن كانت مستأنسة وهادئة أو في حالة غضب منه، من دون أن تتكلّم بكلمة واحدة أو تنطق حرفاً واحداً، هو لم يدرس علم الفراسة، ولكنّه يفهم ذلك من خلال تعابير وجهها ونظرة عيونها، ما يدلّ على أنّ علم الفراسة والفطانة موجود داخل لإنسان بالفطرة، إلّا أنّ التّجاهل وعدم الاهتمام والتّركيز لملاحظة الآخرين ومشاعرهم وجعل الإنسان جلّ اهتمامه نفسه فقط أضعف فراسته، ما يبرهن على أنّ علم الفطانة والفراسة مهمّ في حياة البشريّة بشكل عام وفي الذّكاء العاطفيّ بشكل خاص لمعرفة الآخرين وحالاتهم النفسيّة وكيفيّة فهم المجتمع، فالنّظرة العميقة التي يمتلكها الإنسان تشكل عاملاً مساعداً في ذلك.
إنّ الفطنة تُعدّ فرعاً من الذّكاء المنطقيّ العقلانيّ، لأنّ الفطنة تُستخدم في دراسات عقل الإنسان، والقدرة على الوصول لنتائج صحيحة وحلّ المشكلات، فهي مرتبطة بالحقائق، في حين أنّ الذّكاء مرتبط بالمشاعر.
إنّ امتلاك الفطنة يلعب دوراً أساسيّاً في الذّكاء العاطفيّ، وخاصّة فيما يتعلّق بالفطنة الاجتماعيّة لما لها من دور أساسيّ وفعّال في نجاح العلاقات أو فشلها، فعندما يتحاور شخصان لا بدّ أن تكون الفطنة عنصراً حاضراً بينهما حتّى لا ينطقان بكلمات قد تؤجّج الحوار بينهما، خاصّة إن كان هناك عداوة بينهما، فاجتماع الذكاء العاطفيّ مع الفطنة الاجتماعيّة عاملاً مهمّاً لمعرفة الأشخاص، وبالتّالي تفسير حركاتهم ولغات جسدهم للتّحكّم في الموقف والسّيطرة عليه من أجل الصّالح العام الإيجابيّ.
إنّ امتلاك الفرد للفطنة يجعله يقوم بأمور حياته اليوميّة بشكل سليم، كما أنّ عليه تطوير هذه الفطنة وأن يكتسب علماً لتكون سرعة بديهته كبيرة تساعده في معرفة الأمور ومعالجتها واكتشاف حالة الشّخص الّذي أمامه، وبالتّالي التّعامل معه وفق ما تقتضيه الحالة، فحالة الحزن يمكن اكتشافها من خلال نبرة الصّوت والتّصرّفات وهذه الحالة يكتشفها أيّ شخص عادي، أمّا الشّخص المتحفّظ فمن الصّعب اكتشاف حالته النّفسية الحزينة إن لم يمتلك الآخر فطنة، مترافقاّ ذلك مع الذّكاء العاطفيّ، فكن فطناً لبقاً لأنّ الفطنة موهبة ولكنّها تحتاج إلى رعاية خاصّة، فهي ينبوع حياة لصاحبها.