الكلمة الطّيبة

الدكتورة مايا الهواري
د. مايا الهواري
د. مايا الهواري

خلق الله البشر جميعاً سواسية، فلا فرق لعربيّ على أعجميّ إلّا بالتّقوى، وحثّ على جبر الخواطر لما له من الأثر العظيم في النّفوس، وما يؤدّي إليه من أعمال وأفعال رائعة.

إن الله تعالى خلق البشر درجات وطبقات مجتمعيّة مختلفة، الغنيّة والمتوسّطة والفقيرة، ولا يعني ذلك أنَّ طبقة أفضل من غيرها، أبداً، إنّما لحكمة أرادها الله تعالى في عباده، لتكون الحياة تشاركيّة، ويسود التّعاون بين العباد، ويخدم بعضه بعضاً، أو لأسباب لا نعلمها نحن البشر، فلا ينبغي أن يتباهى الغنيّ بماله، أو المتعلّم بعلمه، أو ذو المركز الوظيفيّ بمكانته الاجتماعيّة، وألّا نُشعر الآخرين بقلّة قيمتهم، فأنت أيّها الإنسان لست من جلبت لنفسك هذه المكانة أو هذا المال الوفير أو هذه الوظيفة المرموقة، إنّما خلقك الله على هذه الأرض وأقامك؛ حيث أقامك لحكمة أرادها، وهو قادر أن يأخذها منك بلحظة؛ أي لا علاقة لقوّتك وجهودك وذكائك بما وصلت إليه، فلا تقلّل من قدر الآخرين وقيمتهم.

إن امتلاكك لمنزل كبير فخم أو سيّارة حديثة الإصدار لا يعطيك الحقّ بالتّكبّر وازدراء الآخرين؛ لأنّ هذه أرزاق مقسومة، وقد يكون رزقك مالاً، أو مقاماً رفيعاً، أو عملاً ثابتاً، أو ذريّة صالحة، فكم من شخص غني يملك من المال الكثير، لكنّ ذريّته مريضة، ولا يستطيع بماله كلّه أن يحصل على الدّواء الشّافي؛ لأنّ الشّافي هو الله، أو قد يكون لديه من المنازل والسّيّارات الكثير، لكنّه حُرِم من الذّريّة فلمن تذهب كلّ هذه الأموال، والعكس كذلك رجل فقير لا يملك إلّا قوتَ يومه، ولديه الكثير من الأولاد، وكلّ ذلك لحكمة أرادها الله.

كلّ شخص يأخذ قسمته ونصيبه من هذه الحياة على أكمل وجه، من دون زيادة أو نقصان، لذا لا ينبغي التّكبّر والتّعالي على خلق الله، والابتعاد عن التّمييز العنصريّ الخاصّ بلون البشرة الّذي انتشر مؤخراً، بل عليه التّحلّي بالتّواضع والعمل به، وكثيراً ما نجد أناساً يدّعون التّواضع لكنّهم لا يطبّقونه على أرض الواقع، وأكبر مثال على ذلك عمّال محطّة الوقود، فقلّما يتلقّون عبارات شكر على عملهم، وعندما تشكره بكلمات الثّناء يستغرب من تصرّفك؛ لأنّه فقد هذا التّصرّف في عمله، والذّنب ليس ذنبه إنّما ذنب الآخرين، فكلمة شكراً أو جزاك الله خيراً لن تكلّفك الكثير، لكنّها ستصنع الكثير الكثير في قلب ذلك العامل البسيط، وستجعله يشعر بكينونته ومكانته على هذه الأرض.

كلمة واحدة كفيلة أن تغيّر مجرى حياة إنسان، إمّا ترفعه نحو الأفضل إن كانت حسنة وطيّبة، أو تحطّ من قدره إن كانت عكس ذلك، لذا يجب أن ننتقي كلماتنا ونتخيّرها ونتذوّقها قبل أن نلقيها على مسامع الآخرين، فإن أعجبتنا نطقنا بها وإلّا استبدلناها بأفضل منها.

كما أن الابتسامة على قدر بساطتها تُعد صدقة لما لها من أثر كبير في النّفوس، فكيف بالكلمة طيّبة الأثر، فهي كالشّجرة الطّيّبة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السّماء، فكن كالشّجرة أيّها الإنسان ولتكن كلماتك طيّبة، وليكن أثرك وذِكرُك على هذه الأرض طيّباً كذلك.