النّميمة فعل ذميم يكشف المستور ويُفسد النّفوس، تقوم على نقل أخبار شخص أو أشخاص، سواء بعلمهم أو لا؛ بهدف بثّ الفساد فيما بينهم، موقعاً الخصومة ومثيراً للجدل، يقول ابن مسعود رضى الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (ألا أنبّئكم ما العضة؟ هي النّميمة بين النّاس)، هذا النّوع من الكلام يُعد محرّماً لعدم وجود مصلحة شرعية لنقله؛ إذ أحياناً ما يكون نقل الكلام من باب التّحذير والنّصيحة لترك مفسدة أو لدفع ضرر معيّن، وفي هذه الحالة يكون النّقل واجباً مستحبّاً؛ أي ينقل أحدهم الكلام أو الأخبار تحذيراً من وقوع الظّلم. وهناك نوع آخر يكون فيه نقل الكلام مباحاً لحاجة تقتضيها حاجة المسلمين بشكل عام، بغية إيقاع الأعداء بعضهم بعضاً أثناء الحرب؛ حيث قال الرّسول الكريم: (الحرب خدعة).
ومن منظور آخر، فإن كان الهدف من نقل الكلام هو الإصلاح بين النّاس نقول إنّه لا بأس به، وفي هذا يقول نبيّ الرّحمة: (ليس بالكذّاب من نمّ خيراً)؛ أي إنّ نقل الكلام إن كان من ناحية الإصلاح والخير، فلا غبار على ذلك، ولكن يكون لهذا الفعل الأثر السّيّئ عندما تنتج منه مفسدة وبغضاء وحقداً في القلوب. وهنا، وجب على الإنسان ألّا يصدّق كل ما يسمعه، بل يتأكّد من مدى صحّة الخبر الّذي سينقله، حتّى لا يكون سبباً في خلق عداوة بين القلوب، ولا يقع الذّنب عليه فقط لنقله خبراً لم يتأكد من صحّته، بل يقع أيضاً على المتلقّي؛ إذ عليه أن يتحرّى صحّة ما نُقل إليه، قال تعالى: (إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
لقد حرّم الإسلام النّميمة، وعدّها كبيرة من الكبائر؛ لما لها من آثار سلبيّة، كما وصف الشّخص النّمّام بأنّه ضعيف الإيمان، مسبّباً قلقاً في القلوب، فالنّميمة عارٌ على النّاقل والسّامع، والنّمّام ذو وجهين، يقابل كلّ طرف بوجه، يأخذ الكلام من طرف وينقله إلى الآخر، فيكون بذلك عاملاً بقطع الصِّلات بين أفراد المجتمع؛ ما يوجب دخول صاحبها النّار، وبالتّالي تساهم النّميمة في إفساد الدّين والدّنيا وتغيّر القلوب، يقول ابن الجوزيّ في ذلك: (النّميمة تفسد الدّين والدّنيا، وتغيّر القلوب، وتولّد البغضاء وسفك الدّماء والشّتات).
يقول بعض الحكماء: إنّ السّاعي بين منزلتين قبيحتين: إمّا أن يكون قد صدق فخان الأمانة، وإمّا أن يكون قد كذب فخالف المروءة، وينبغي على المتلقّي ألّا يحكم فوراً على المتكلّم الّذي صدر عنه الكلام الأساسي، فقد يكون قد تكلّم ما تكلّمه نتيجة ضغط تعرّض له، أو توتّر وقلق يعيشه، ولا يدرك ما نطق به، فيأتي النّمّام مستغلّاً حالته هذه، فيقوم بنقل ما سمعه إلى المتلقّي من دون أن يراعي حالته الّتي جعلته ينطق بهذه الكلمات، وهنا يبدأ دور المتلقّي ودور عقله الرّاجح، فلا يُصدر حكمه على المتكلّم، بل يتأكّد من صحّة ما نُقل إليه. أمّا فيما يتعلّق بالوسيط، فينبغي إيقافه وردعه عمّا يقوم به؛ لأنه راعي فتنة، ولا يريد الخير لأيّ طرف من الأطراف. وهنا، وجب على كلّ شخصٍ أن يتأكّد من صحّة الكلام الّذي يُنقل إليه، فقد يكون الكلام خاطئاً وغير صحيح، وكذلك أخذ الحذر من ذلك الشخّص الوسيط، فكما نقل إليك سينقل عنك، فالحذر الحذر من هؤلاء.