ارتبطت حقوق الإنسان بوجود الإنسان على وجه الأرض، ومنُذ أن خلقه الله فقد جاءت معه حقوق، وأخذت تتطور وتتنامى وتتكيَّف حسب كل حضارة تختلف عن الأخرى، وسمعنا عن حضارة حمورابي مثلاً، والساسانيين، والرومانيين، وغيرهم، وكل حضارة عاشْت آلاف السنين وعاشت معها حقوق الإنسان بشكل من الأشكال، وعندما جاءت الحضارة الإسلامية؛ وجدنا ومن خلال الدستور الكريم أن هناك رسماً واضحاً لحقوق الإنسان أقر منها الإسلام ما كان معروفاً عند الحضارات السابقة، وأعاد كما يقال تطبيقها بشكل يكفل حقوق الإنسان أياً كان، فرداً أو جماعة، ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، والمتصفح للقرآن ورسالة الإسلام كلها سيَلْحظ من مبادئ الدين إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
إذاً، كانت الأخلاق موجودة لدى العرب وجاء الإسلام ليضبطها، وليجعل عليها دستوراً ترجع إليه عند الاحتكام إلى معرفة الحقيقة، وسأضرب أمثلة لذلك: خلال سورة النساء؛ إذ يصوّر معظم آياتها حقوق المرأة المالية، وتُعيد للأذهان إِبْطال ما كانت الجاهلية تعده، وهو أن المرأة من ضمن موروثات قديمة لا يعُتد بها، فجعل كرامة المرأة واضحة في هذه السورة، وعزرت قيمة المال بالنسبة إلى الأيتام وتخويف الناس من أكل أموالهم بالباطل، وأن الوليَّ مطالب بإعادة المال إليه عند الكبر، وخَوّفَ ووضع العقوبة المُغُّلظة على آكل مال اليتيم، وأنه سيكون حَطَبَاً لجهنم.
كما أكدت الشريعة أيضاً على كرامة الإنسان أياً كان ذكراً أم أنثى، فجعلت حقوقه مُعتبرة في سورة الإسراء.. ولقد كرمَّنا بني آدم.. فالخطاب عام للذكور والإناث، مساواة بينهم بالتكاليف الشرعية، ورفع قدرهم، سواءً بسواء، وخطابات القرآن تجعل النداء مشتركاً بين الذكور والإناث؛ ما يدل على حفظ كرامة المرأة وصيانتها من إيذاء الآخرين والتعدي على حقوقهما.
وفي المقابل، نجد السنة الطاهرة تقف إلى جانب حق المرأة؛ إذ أوصى الرسول في خطبة حجة الوداع بالمرأة خيراً، وقال: "إنهنَّ شقائق الرجال"، وقال: "واستوصوا بالنساء خيراً"، ولم يقف الأمر على هذا، بل تعداه إلى حرص الإسلام على الطفل والابن والأخ وغيرهم. ومن يرجع إلى تاريخ النبوة يعلم كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعامل الصبيان في عصره، ويعطيهم المكانة اللائقة بهم في فرحهمَ وحْزنهم في التربية والاهتمام، فقد كان يعامل الحسن والحسين معاملة أبوية، حتى وهو في صلاته، وكان يراعي الطفل عندما يبكي مع أمه؛ إذ قال عليه الصلاة والسلام في المسجد ذات يوم لغلام كان يربي طيراً وقد مات الطير.. "يا عُمير ماذا فعل النُغْير"! ملاُطَفَة وحرصاً على مشاعر هذا الطفل الصَّغير.. وجاءت التشريعات القانونية لدى الحضارة الغربية لتأخذ بهذه الجوانب اسْتشعْاراً منها بأهمية عناية الشريعة بحقوق الإنسان، وللحديث بقيمة في العدد القادم.