عبرت مياه كثيرة من تحت الجسر. لا الأشواق خفت، ولا المشاعر ذبلت. كل يوم يمضي ينقل آماله إلى اليوم الذي يليه. وكل انكسار في زمن الانتظار تسعفه جرعة من من الأمل فيعود من جديد.
نوهم أنفسنا أن المسافات تقتل الأشواق وأن الزمن علاج لكل الذكريات. مخطئون نحن، فلا المسافات قتلت الأشواق، ويبدو أن صفقة ما عقدت بين الزمن والذكريات فكلما مر الزمن أستأسدت الذكريات. الأشياء تمشي عكس ما كنا نعتقد، أو بالأصح كما كان يجب أن نعتقد!.
رحلتنا في الحياة مشوار من الانتظار. تبدأ من العتبات الأولى ننتظر السنين لنتخرج، وأخرى لنكّون أنفسنا، ومسلسل من التعلق برغبات وترقبها، وفجأة ما بين محطات الانتظار نكتشف أن العمر هناك. هو ذاك، والذي يشغلنا عن احتضانه محطة انتظار جديدة.
من يعش حياته في محطات الانتظار يخسر العمر ويكتشف أنها مجرد أوهام. ياللخدعة الكبيرة التي نحسب فيها أعمارنا بالسنين، وهي في حقيقة الأمر أرقام. وأن العمر الحقيقي هو الذي نعيش فيه حياتنا، وليس الزمن الذي نقضيه في الانتظار.
محطات العمر عناوين عابرة. كل مرحلة تلتهم ماقبلها. ما يدوم هو الحقيقي وما يمضي هو الزائف. وأنا اكتشفت ما يصنع الفرق في حياتي. حضورك هو الذي يصنع النبض والقصص الجميلة والتفاصيل المثيرة.
مملة هي الحياة من دون ثورة الأشياء. رتيبة هي الحياة من دون طوفان هدوئك. شتان ما بين حياة نراقبها من بعد، وحياة نعيشها في العمق. ولتعبر المياه، وليتناقص العمر، وليكن. الزمن مهما كانت مساحته فهو بمدى الامتداد بوجودك.
كل متر فصلني عنك قربني إليك آلاف الأميال. البعد صعب في كل أشكاله، ميزته الإيجابية أنه يجعلك ترى الحقائق بشكل واضح وقاطع. وأنا قررت أن أوقف مسلسل الهدر في الأيام والزيف في الأشياء، وأبدأ الآن عمري الحقيقي معك..
اليوم الثامن:
.. يالقصر العمر حينما تختطفه محطات الانتظار ورحيل المسافات