أمسك بها بكلتا يديك، لا تجعلها تهرب منك. هي كائن متحرك، تهجع فقط في القلوب الكبيرة والنفوس السامية، تبحث عن حضن يتصالح معها، يدرك قيمتها، ويعرف ثمنها.
لا تغضبها فهذا أدنى ما يثيرها، فجأة تحلق بجناحيها بعيداً عنك، وتغادر دون أن تلتفت إلى الوراء. لا تضع شروطاً عليها، فهي تكره القيود تأتيك منقادة سلسة، ترتمي في عالمك بكل شغف، لكنها ملُولة؛ إذا عاملتها بسلطة الحاكم وقائمة الطلبات.
السعادة الزائر الاستثنائي، الذي ندرك أهميته عندما يغادرنا. فحين توصد الباب وتختفي، نهرول للذكريات واستعادة شريط ماضٍ كان متاحاً بين أيدينا. كنا «نتغلى» عليه، ونتشكى من تفاصيل صغيرة. وحينما أدبر هذا الزائر أدركنا حجم الخطيئة، وأصبحنا نسترجع لحظات مضت، وكلمات قيلت، وضحكات عبرت. لو كنا فقط ندرك جمالها وغلاها في وقتها لما بقينا نتأفف، وننتظر للغد شوقاً للتغيير. حينما تغادرنا الأيام الجميلة، مع من يملأ حياتنا سعادة وفرحاً، تأخذ معها بعض أحلامنا، وكثيراً من أفراحنا.
يبقى الزمن بصموده والأماكن بشموخها، لكن تخفت الروح، ويغيب وهج ذاك البريق. تتحول الأشياء إلى رسومات تجريدية، والساعات لأرقام تكمل بعضها بعضاً. لماذا ننتظر سنين العمر؛ لتمضي، وننضج، ونكتشف، وندرك؟. لماذا تكون المسافة بين المبتدأ والخبر عمراً بكامله. كيف نستطيع أن نجمع بين خبرة السنين وشغف الانطلاقات؟. كيف لنا أن نصل لمحطة النهايات، ثم نستعيد عتبة البدايات؟. وهل محكوم علينا دوماً أن نصل المحطة الصحيحة بعد رحيل القطار …!؟
أمسك بها جيداً، فهي في كل شيء. السعادة هي هذه اللحظة وليس بعدها. انظر إليها، إنها في ذاتك، فيمن حولك في كل المحيط. لا تبحث عن النواقص. تغاضى فسوف تدرك أن ما تحسبه نواقص، كان وهماً لا يستحق. تنفس بعمق واحتضن اللحظة، فالحياة هي هذه اللحظة. ما قبل ذلك ماضٍ رحل، وما بعد ذلك مجهول غامض، فعش العمر ولو لمرة واحدة.
اليوم الثامن: أجمل سنين العمر
هي التي ندرك جمالها بعد رحيلها