ماذا عساني أقول عنك يا سعود؟.. رحلت كما يرحل معظم الطيبين بهدوء وسلاسة. وكأنك كعادتك تهمك راحة الآخرين، فتغادر من دون أن تتعب أحداً أو تشغل أحداً. فجأة.. هكذا من دون أن تسمح لنا أن نقول لك كم نحبك، وكم أنت طيب.. من دون أن تعطينا فرصة لنقول لك إننا نتعلم منك حب الحياة وحب الناس وحب العطاء. ابتسامتك تسبقك في كل الأماكن، وكاريزما حضورك مختلفة، تكسب محبة الآخرين من دون تنافس أو تصنع.
كثيرون سيبكونك، ليس فقط لأنك رمز إعلامي كنت المبادر في بداياتك بصنع أسلوب إعلامي مختلف، وقدمت ما يسعى الآخرون إلى تقديمه الآن. وليس لأنك حتى في برامجك كنت تسعى لعمل الخير واختتمتها ببرنامجك الديني (ليطمئن قلبي)، بل أيضا لأنك كنت الشخص نفسه المحب للخير، الذي يسعى لسعادة الآخرين. الذي كان نفسه دائماً، ولم يتغير ويتلون حسب المصالح، بل كانت المبادئ هي ذاتها لم تتبدل.
عرفتك سنين طويلة لم أسمع منك كلمة نابية، أو إساءة لشخص، بل كنت تذكر الآخرين دائماً بالخير، وتقابل الإساءة بالإحسان، والكلمة الجارحة بالكلمة الطيبة. تقف مع البسطاء والمحرومين، وتستنفر كل علاقاتك لمساعدة كل محتاج. تنشغل من أجل المساعدة وتصبح قضيتك الشخصية، وتفرح كما يفرح الأطفال إذا فرّجت كربة مهموم، أو ساعدت مظلوماً. ولم يكن غريباً برنامجك (تستاهل)؛ فهو يعكس شيئاً مما فيك، ففيه فعل الخير لا يشمل الشخص المعني بل أصدقاءه. هكذا دائماً خيرك وعطاؤك كغيمة تغطي الجميع.
محبوك كثيرون يا سعود، كنت في كل الأماكن حيث يكون المشاهير والنجوم، ولكنهم يتجهون إليك للسلام والتقاط الصور، وكنت تبتسم وتقول: محبة الناس رأس مالي الحقيقي. تقف معهم بالساعات وتتحدث مع كل شخص كصديق. وربما نمضي إلى مكان آخر وأنت معهم تقوم بعادتك المزمنة حب الآخرين وإرضاء الجميع. كم سيتألمون لغيابك لأنك معدن حقيقي، ولست من النجوم المزيفين.
في صناعة الإعلام تكتسب المنافسة والنجومية صفة الأنانية وحب الاستحواذ، ولكنك كنت مختلفاً وخارج هذا السياق. دائماً تترفع عن الوسائل الرخيصة للمنافسة، بل كنت تشجع الآخرين وتثني عليهم. زهدت في النجومية فجرت إليك خاضعة. كنت تمارس الإعلام من باب القيم والنبل والأخلاق، وليس الانتهازية والكسب والسعي إلى النجومية على حساب المبادئ. كم دعمت من أشخاص.. ربما تنكروا ولكنك تتجاوز. ولم يمنعك هذا أبداً من دعم الآخرين. كنت تفكر في كل شخص، وتساعد كل زميل ماعدا نفسك. كم كنت كريماً مع الآخرين ظالماً لنفسك.
أصدقاؤك يا سعود سيظل في دواخلهم كسر.. شيء ما يمنعهم من اكتمال فرحتهم. سيجتمعون مع بعضهم وتنتهي جمعتهم. لكنهم سيشعرون بأنها لم تبدأ. لأنهم ينتظرونك. وسيبقون ينتظرونك. كم هو الفراغ كبير، وكم هو الحزن عميق.
اعتدت منك يا سعود الدقة في المواعيد. كنت تحرص على الموعد وترسل رسالة سأتأخر عشر دقائق. وما زلت في ذاك المكان أنتظرك يا سعود حسب الوعد. تأخرت يا سعود ولم ترسل حتى رسالة.. كيف تخلف موعدك يا سعود ونحن الذي نتعلم منك دقة المواعيد؟. مازلت أنتظرك. ما أصعب الانتظار.. والأصعب الفراق يا سعود. رحمك الله. لماذا غادرتنا من دون أن تقول وداعاً؟. هناك كلام كثير بعد لم نقله لك. لماذا يا سعود؟.
محمد فهد الحارثي