تسعون عاماً، قصة وطن وتاريخ بطولة، ملحمة بناء وإصرار بقاء.. وطن لم يكن طارئاً ولا معتدياً؛ بل نتاج نسيج واحد صنعه الآباء المؤسسون، وقادهم رجلٌ سبق عصره وكتب التاريخ لبلده ورسم جغرافيا جديدة.. شاب آمن بقضيته وقاتل من أجل رسالته، وحقق حُلمه واستعاد حكم آبائه وأجداده.
عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، قائدُ أكبر مشروع وحدويّ في المِنطقة، هذا المشروع الذي أقام هذا الكيان الكبير، ووحّد شبه قارة فيها قبائل، بادية وحاضرة، انصهرت جميعها تحت راية التوحيد في مساحة حب وانتماء اسمها المملكة العربية السعودية، هذا المكتسَب العظيم الذي هو أمانة لدى كل أبناء وبنات الوطن، محفوظة في قلوبهم مطبوعة في ضمائرهم، وستبقى هذه الأمانة على مَرّ الأجيال.
هذا الوطن الذي أراد له القدَرُ أن يكون في محيطٍ تتنازعه الحروب والقلاقل والنزاعات والمؤامرات، لكنه على مَرّ السنين كان البلد المِعطاء الذي يسعى للخير والسلام، ويتجاوز الصغائر ويعمل على جمع الكلمة وتوحيد الصفوف، على الرغم من كثرة الجاحدين والمنكرين والمتربصين، لكنها حمايةُ الله أولاً، ثم قوة الوَحدة الوطنية التي كانت ولاتزال السدَّ المنيعَ الذي تحطمت عليه كلُ مؤامرات القريبين والبعيدين، وهم الذين احتاروا، ما الذي يميز أولئك الأبناء، ولماذا يلتفون حول قيادتهم وبلدهم في كل الظروف؟.. سرٌ استعصى عليهم لأنهم لا يدركون معاني الوفاء والانتماء؛ فهي كلمات خارج قاموسهم.
يخططون ويتآمرون ويجيّشون الإعلام والأتباع، ويجتهدون بأية طريقة لاختراق صف اللُحمة الوطنية ولزرع الفتنة؛ ليردّ اللهُ كيدهم إلى نحورهم وتنكشفَ مؤامراتُهم وتنقلبَ نتائجُها لمصلحة الوطن؛ فعندما يكتشف الناس حجم المؤامرات والعداوات، يدركون حجم الحقد الدفين والحسد البغيض؛ فيقدّرون أكثرَ نعمةَ هذا الوطن فيتمادَون حباً وولاءً.
هذا الوطن الذي هو واحة سلام وأرض الفرص والنجاح، في إقليم تئن شعوبه من الحروب والكوارث، لم تكن القضيةُ ثروةَ نفط لتحقق هذه المعادلة، وليست ضربةَ حظ لتصنع الفرق؛ فالنفط في دول أخرى تحوّل إلى نِقمة، وأصبح طموحُ أهلها الهجرةَ والبحث عن بلد يؤويهم، والدول لا تصنعها الحظوظ؛ بل إرادة الكبار وحكمة القرار وعزيمة الأبطال.. هذه السعودية الآن بكل بهائها وتفردها، تبقى واحةَ خير وسنداً للأشقاء وعصيةً على الأعداء.
تسعون عاماً مرّت، هي مناسبة نستذكر فيها التاريخ، ليس فقط لنفتخر به، وهذا أمر مستحَق؛ بل أيضاً لنستفيد من عِبَره وتجاربه، وندرك أننا مسؤولون، كلٌ في موقعه، تجاه هذا الوطن العظيم.. هذه المكتسبات التي بُذل الغالي والرخيص والكثير من التضحيات من أجلها، هي أمانة في أعناقنا، ومسؤولية علينا تجاه أجيالنا المقبلة؛ فكما صنع لنا السابقون وطناً وفخراً نستند إليه الآن؛ فنحن مطالَبون بأن نؤدي الرسالة كما يجب؛ ليتسلمها أبناؤنا وأحفادنا وأجيالنا المقبلة من بعدنا، هذا الوطن ضياء النور على جبين هذه البسيطة، هذا الوطن الذي كلما ازدادت عليه المؤامرات واجتمعت عليه الأحقاد، غرّد محلقاً في عالم الإبداع والتنمية والبناء، تاركاً ملفات الصغار للصغار.
سيكتب التاريخ يوماً أن هذه الدولة أعطت وسعتْ في الخير دائماً، وأنها كانت الخيمة التي تضم الجميع، والكبيرَ الذي يلجأ إليه القوم دوماً.. لم تُخل بالتزاماتها أبداً؛ بل كانت تتجاوز وتتسامح في مواقفها، وهذا الشعب الذي كتب قصة حب نادرة في التفافه حول قيادته ووطنه، جعلت الحاقدين يتهورون في أحقادهم، تقابلهم الرياض الكريمة بابتسامة وتسامٍ، تكمل مشوارها، لا يعطلها شيء ولا يشغلها الهامش، طريقها المجد ولغتها المستقبل وشاغلها الإنسان.
تسعون عاماً، هي 32850 قصة حب مثيرة، كل يوم منها غالٍ علينا نحتفظ بتفاصيله، وسوف نلقنها لأجيالنا المقبلة، ونقول لهم: هذا وطنكم، عُضّوا عليه بالنواجذ، تمسكوا به وضحّوا من أجله، وتجاوزوا عن هفوات بعضكم لتكونوا الكل في واحد، طالما الدار من الداخل متراصّة ومتماسكة فلا تشغلْكم جعجعة الحاقدين، كونوا الجدارَ المنيع الحامي لهذا الوطن كما كنا، وكان آباؤنا وأجدادنا، ستسمعون رواياتٍ شتى، وسيتربص بكم من لا تتوقعون، وسيجتمعون ويخططون، لكن ضعوا ثقتكم في الله أولاً ثم في أنفسكم؛ فمهما كان الموجُ عالياً سوف يعجز أمام لُحمتكم الوطنية وتضامنكم الصادق.
افتخروا بوطن ليس كأي وطن، وابتهجوا وأقيموا الأفراح.. هذه الدار محميّة بإذن الله، وستبقي كما هي دائماً، دارَ خير وأرضَ سلام، مهبطَ الوحي وديرة الأمان.
اليوم التسعون:
كيف نحسب سنين الوطن
وهو عمر والسنون أرقام.