حين ترى أحدهم يركض بلا وجهة ويدفع الناس، تاركاً خلفه حقيبته وممتلكاته الشخصية من دون أن يلتفت إليها، يتخبط يميناً ويساراً وبمن أمامه، يبحث عن أقرب مخرج، أو يقفز من أقرب نافذة بلا حذاء! ستتهمه حتماً بالجنون، وقد يلومه البعض على الفوضى التي تسبب بها، وإهماله لأوراقه الرسمية، وإصابة الناس بالذعر وتعريض نفسه للخطر إلخ..
سيل من الاتهامات ستلحق به.. لكن إن قرأت المشهد صحيحاً مرة أخرى، وعلمت بأنها حالة طوارىء لحريق بمبنى مزدحم، أو بطائرة آيلة للسقوط، سيتغير حكمك على ما رأيت من ربكة، فوضى وتهور! بل ستجدها تصرفات معقولة ومقبولة تحت بند (نفسي نفسي).
طالما أخبرونا بها في حالات الطوارئ:
«تخفف من الأحمال واترك كل شيء خلفك».
ردود الأفعال ماهي إلا مرآة للحدث؛ ونسبة الضرر تتفاوت حسب المواقف.
فعندما تكون الخسارة حتمية بمشهد ما وتقوم بمحاولاتك لجعلها أقل خسارة وأقل ضرراً فأنت «بطل ميدان».
مثل كابتن اختار نزولاً غريباً لطائرته «المتحطمة أجنحتها» في منطقة مجهولة ولا ذكر لها على الخارطة. والنتيجة ضياع مقابل نجاة أرواح.. نقطة تُحسب له.
نسبة الخسارة «الجزئية من الكلية» دائماً يكون عندها الفارق الذي من أجله ستُخاطر، ومن أجله تستبيح المحظورات..
ذراع مكسورة مقابل حياتي (قرار سليم).. خروجك عن المسار على طريق سريع عند تعطل مكابح سيارتك (قرار سليم) ضحية واحده أفضل من عدة ضحايا.
لا تصدر حُكماً على مشهد لا تعرف أبعاده، ولا تعرف ماهي نسبة الخسارة فيه من عدمها.
على طاري الطوارئ..
لم أربط حزام أمان يوماً على متن طائرة! «عندما يكون الخوف صديقك”، أتعوذ فقط من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب.. لأصل...
جيهان الكندي