عمل الخير  لا يضيع أبداً

الدكتورة مايا الهواري
مايا الهواري  
مايا الهواري  

مثلٌ نسمعه منذ نعومة أظفارنا: "اعمل خيراً وارمه في البحر"، وهذه دعوة لفعل الخير من دون أن ننتظر مقابلاً من الآخرين، ورميه في البحر دليلٌ على اللّامحدوديّة لعمل الخيرات، لأنّ البحر كبيرٌ يسَعُ كثيراً، ولكنّ الأعمال الجيّدة المفيدة لا يكون مصبّها البحر، إنّما ندّخرها عند الله تعالى فلا تضيع أبداً، مع العلم أنّ فعل الخير فريضةٌ على كلّ إنسانٍ مسلم، قال تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون).
في حقيقة الأمر، إنّ هذه الأعمال تندرج تحت مسمّى الإحسان، والِذي هو في حقيقة الأمر ليس إحساناً للنّاس إنّما هو إحسانٌ للشّخص نفسه، يقول الله تعالى: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها)، وأيّ مساعدات يقوم بها المرء سواء ماليّة أو معنويّة ستعود له مضاعفة، والقصص على ذلك كثيرة، فالخير كالحبّة يزرعها في الأرض لتنمو وتكبر وتكوّن سنبلة مليئة بالحبّات، والله يضاعف لمن يشاء من خلقه.
إنّ عمل الخير ليس محكوماً بالمقابل، وإنّه يُزهر القلبَ فرحاً لأنّ صاحبه يعلم يقيناً أنّ ما يقدّمه يُقصد به وجه الله تعالى من دون مقابلٍ يتلقّاه من عند مليك مقتدر.
إنّ للإحسان طعم مميّز، لا يعرف مذاقه إلّا مقدّمه، فيشعر بحلاوة الإيمان ولذّة القرب من الله تعالى، لما له من آثار طيّبة على القلوب والنّفوس ونراها تنعكس نوراً في القلوب، وضياء في الوجوه، وسعة في الرّزق ومحبّة في قلوب النّاس، حيث إنّ البعض منهم لا يقدّرون ما تمّ تقديمه لهم من مساعدة وغيرها، بل يعدّون ذلك واجباً على الآخرين، فيتسلّل شعورٌ غريب لمقدّم الخدمة بأنّ جهده ضاع سدىً، أو بأنّ المساعدة وُضعت في غير أهلها، إلّا أنّ التّفكير السّليم في هذا الأمر أن الإنسان قام بفعل الخير لوجه الله تعالى، وليس مرضاةً لأحد من عباده، ولا قيمة للحياة من دون فعل الخير، ففيه راحة نفسيّة، وسعادة تغمر القلب، ورضوان من الله تعالى، ونور يضيء ظلمة القبر بعد الموت، وأيضاً نور في الجنّة.
وأخيراً أقدّم نصيحة لكلّ إنسانٍ أن يجعل فعل الخير في حياته كنهر جارٍ غزيرٍ، يرتوي منه المّارّة فيرتدّ هذا الخير على صاحبه ويثقّل ميزان أعماله، فال تعالى: (من عمل صالحاً فلنفسه)، فكن دائماً مفتاحاً للخير مغلاقاً للشّر.