التّفكير بالماضي والقلق حول المستقبل، ليس سوى حيلة يلجأ إليها العقل البشري ليفصلنا عن الواقع الّذي نعيشه، فنشتّت أفكارنا بتساؤلاتٍ قد تحدث وأشياء حدثت لا فائدة من الرّجوع إليها. التّفكير بالماضي والغوص في ذكرياته سيجعل الإنسان يعيش في دوّامة هلاميّة، فيغيب عن حاضره الجميل، شاغلاً نفسه بهالةٍ من ذكرياته البائسة، غارقاً بهمومه وتعاسته هارباً من حاضره متعلّقاً بماضيه مثله مثل الأشخاص الكسولين، والانشغال المتعمّد بالماضي لا يتميّز عن الكسل، كلّ منهما هو عدم اكتراث العقل لما يدور حوله ورفض كلّ عملٍ يدفع صاحبه ليعيش يومه الحاليّ. ومعرفة نفسه وهويّتها، في حين نجد على الضّفّة المقابلة أناساً يرمون الماضي وراءهم، ولا يفكّرون إلّا بسعادتهم وكيف يأخذون نشوة الحياة ويجعلونها في القمّة، يتذكّرون الماضي لأنّه جزءٌ من مسيرة حياتهم لكنّهم لا يتأثّرون به، ولا يجعلونه يؤثر على حاضرهم، خاصّةً إن كان يحمل طابعاً مؤلماً، وألّا يظنّون أنّ المستقبل سيكون بدرجة الألم هذه نفسها، فهذا التّفكير غير صحيح، لأنّ ما يحدّد المستقبل هي اللّحظة الآنيّة الّتي تدعو لطرد الأفكار المتعلّقة بالماضي، واستبدالها بأفكار الحاضر الإيجابيّة، ما يحسّن دائرة اللّحظة البائسة نحو مستقبل مشرق.
وأيضاً نجد أنّ القلق ليس فقط من الماضي، بل حول المستقبل وكيفيّة إشغاله، ما يفصل العقل عن الواقع الحالي، ويجعله غير مدرك لحقيقته وجماله الخاص، فلا هو عاش حاضره، ولن يضمن إن كان سيعيش مستقبله الّذي يستحوذ تفكيره ويبقى على قيد الحياة.
لذا على الإنسان الّذي يريد ويسعى نحو النّجاح في حياته أن يغلق نوافذ الماضي الحزين والمستقبل البعيد، ويفتح أبواب الحاضر الجميل، شريطة الاستفادة منه، مع التّحلّي بالأمل والسّعي نحو النّجاح، وذلك بالتّخطيط المثمر، مبتعداً عن المنغصّات والقلق الّتي تعيق تقدّمه، مستشعراً جمال الحياة لكلّ لحظة من لحظاتها، مستغلّاً جميع الفرص المتاحة.
وللخروج من الماضي والمستقبل والتّمتّع بالحياة وتفاصيلها الجميلة يجب العمل بقاعدة: العيش في حدود اللّحظة الرّاهنة من دون التّفكير باللّحظات الماضية والمستقبليّة، فالانشغال بالغائب يضيّع الحاضر، فلا تحمل همّ غدٍ على همّ يومك الّذي أتاك، عِشِ اللّحظة وتمتّع بتفاصيلها ورونقها الجميل.