الإنسان اجتماعي بطبعه لا يستطيع العيش منفرداً عن أبناء جنسه، وقد شرّع الله تعالى الزّواج لتتعارف الأمم وتتشارك الأفراح والأتراح، فالزّواج ليس ارتباط شخصين فقط، إنّما ارتباط عائلتين، تتبادلان العادات والتّقاليد وأواصر المحبّة، هذا الزّواج ينبغي أن يُبنى على موافقة أساسيّة من قِبل الشّاب والفتاة أوّلاً، ويكون رأي الأهل داعماً لذلك، لكنّ ما نراه اليوم في بعض المجتمعات أنّ الوالدين يفرضان رأيهما على أبنائهما، ويتمّ اختيار الشّريك وفق المواصفات الّتي يرسمانها لهم، من دون الأخذ بعين الاعتبار رأي صاحب العلاقة الأساسيّ، أيّ الشّاب أو الفتاة، ما يجعل اتّخاذ قرار الزّواج صعباً، أو يتطلّب تفكيراً عميقاً، فالمسألة تخصّ مسيرة عائلةٍ بأكملها.
يجب على كلٍّ من الشّريكين أن يتّخذا قرار الزّواج بناءً على دراسةٍ معمّقة لعلاقتهما وأن تكون الثّقة محور علاقتهما، مبتعدين عن التّردّد الّذي قد يرافقهما نتيجة تدخّل الأهل في علاقتهما، وعلى الآباء أن يعلموا أنّه من حقّ أبنائهم اختيار شريكهم المستقبليّ، مع توجيه النّصح والتّوجيه بطريقةٍ لطيفة محبّبة لهم، لا بأسلوب الفرض القسريّ فتتسرّب المشاكل لعلاقتهما الخاصّة.
يرى الأب والأمّ نفسيهما الأقدر على توجيه أبنائهما وتقديم النّصح لهم، بحكم خبرتهما في الحياة، من دون ترك مساحةٍ من الحريّة لخياراتهم وقراراتهم وتخطيطاتهم وحياتهم المستقبليّة، وقد يبرّر الأهل تدخّلهم بأولادهم بأنّه ليس تدخّلاً بل هو دعمٌ لهم، ومن صور هذا التّدخّل: الزّيارات المفاجئة من دون موعدٍ مسبق أو اتصال قبلها بحجّة أنّ هذا منزل ابني او ابنتي، أو الزّيارات الطّويلة من دون احترام للخصوصيّة، أيضاً التّحكّم بطريقة تفكير الزّوجين، سواء من ناحية تربية الأبناء أو التّعامل مع الشّريك، أو النّقد الدّائم من قِبل أمّ الزّوج لزوجة ولدها على تصرّفاتها مثلاً، ما يسبّب نفور كلّ من الطّرفين من شريك حياته.
لذا من واجب الأهل ألّا ينسوا أنّهم مرّوا بما يمرّ به أولادهم اليوم، وعليهم فقط أن يكونوا داعمين ناصحين لهم في حدود المعقول، مع ترك مساحة كافية لحياتهم الخاصّة، بأن يخوضوا معارك الحياة بأنفسهم، فتزداد خبرتهم فيها ويصبحوا قادرين على مواجهة الصّعاب، متحمّلين نتيجة أخطائهم، ويكونوا على قدرٍ من التّحمّل والمسؤوليّة.