بعد الرحيل

محمد فهد الحارثي


 

أعود إليك بعد رحيل صيف وانكسارات ليال. لم يجد الصيف، ولم ينفع الرحيل. لم يكن السفر منك، بل إليك، ولم يكن البعد إلا شهادة أخرى، تؤكد أنك أنت فقط من يستحق الرحيل إليه. نعتقد لوهلة أن السفر يغير الواقع، نكتشف متأخرين أن البعد يرسخ الحقائق، وأن زرقة السماء لا تخفيها السحب المتناثرة. التغيير الوحيد الذي لمسته، هو مزيد من اللهفة، وكثير من الشوق.

الصيف يحمل سمة التغيير. ويوصف بأنه موسم الأشياء السريعة، والعلاقات العابرة، والأجواء المختلفة. ولكنني اكتشفت أنني كلما سرت خطوة بعيدا عنك، قادني قلبي إلى حيثما تكونين. محظوظة أنت في زمن المقارنات. المعادن الأصيلة لا تتأثر بالفصول ولا بالأماكن. وكل لحظة بعيدا عنك أدرك كم أنت مختلفة، و أنك حالة منفردة صعبة التكرار.

يقولون إنه زمن التغيير. صراع بين الثابت والمتحول. لكنها مشاعري نحوك التي لا تتغير. بل هي تنمو وتتجدد. تركض الأيام وتتبدل الفصول، وتبقين أنت خارج كل النصوص. المشاعر الصادقة لا تأتي ضمن شروط الصفقات والمصالح، بل هي كوهج النور لا يضيعها البصر. هي كبدايات الفرح لا تخطئها الأحاسيس النقية.

عندما أركض في المسارات البعيدة، أدرك صعوبة الرهان على وهم خاسر. ومن الصعب أن نغير الحقائق. مهما كانت سطوة الليل، إلا أن نور الفجر هو الغالب. بجوارك تخفت الأشياء، وتسقط الأقنعة. وأعترف أنني مع كل يوم جديد أقترب منك أكثر. تعلمنا الحياة أن الزيف والوهم مرحلة مؤقتة، بينما الصدق والحقيقة حالة دائمة.

أعود إليك لنكتب معا أجمل أيام العمر. أعود إليك بعدما أدركت أن كل الغير هوامش، نقش على سطح ماء عابر. وأنك أنت وحدك الجوهر، وأنك الاستثناء، في عالم قل فيه الوفاء، وجفت فيه المشاعر.

 

اليوم الثامن:

يتساءلون ماهي أفضل المقاييس

أهي بالكيلومترات أم بالأميال

نسوا أنها مجرد أرقام هامشية

... المشاعر وحدها فقط

 تصنع المسافات الحقيقية