..وتغادر وكأن العمر مجرد أيام ننثرها في صحراء جرداء. تمضي وكأن العمر الذي اعتقدت أنني اكتشفته كان من نسج الخيال. وأدرك بعد فترة مخاض أن الكلمات والمشاعر والأحاسيس مجرد وهم عابر. كانت بالنسبة لك رحلة تنزهت فيها على ضفاف مشاعر إنسان وغادرت. أصعب اللحظات حينما تكتشف أن رهاناتك كانت خارج الحسابات، وأن الواقع ليس تماماً كما يبدو لك. جميل أن ترى الأشياء بأحجامها الطبيعية، وتدرك وقتها كم أن نظرية النسبية اكتشاف مثير. فعلاً الزمن عامل مهم، وإلا كانت الأشجار توقفت عن النمو عند ولادتها.
كانت خطواتي مبعثرة في مساحات لم تكن لي، كانت الأشياء بالنسبة لي ذات لون واحد، وإيقاع لا يتغير. أيامي كانت تمشي بانتظام يوم يتبع الآخر. لم يتوقف واحد منهم ليسأل الثاني إلى أين الاتجاه. ولم أسأل حتى أنا هل هذه هي الحياة. لم أعترض ولم يكن هناك مجال للمقارنات. حينما تعيش طوال حياتك في الليل لن تحتج على غياب النهار. لأنك ببساطة تجهل أن بعد نهاية الليل فجر جديد. وهكذا كانت حياتي لون واحد وإيقاع واحد وفكر واحد.
وحينما أضاءت الأنوار فضاء حياتي، وأحالت جفاف الصمت إلى موسيقى ريانة تفيض بحنانها مع كل إيقاع، ورسمت ألواناً وضاءة التهمت اللون الرمادي في حياتي، أدركت أن هناك عالماً آخر بملامح مختلفة. أيها الشخص الذي كتب بحضوره أجمل فصول حياتي. بكل ما فيك من جنونك واتزانك، من هدوئك وصخبك، من فوضويتك والتزامك، أيها الإنسان الذي أعدت تعريف أبجديات الحياة بالنسبة لي. وابتدأت طفولتي مع إطلالتك وما زالت.
لن أغضب منك لأنني أعرف أنك نقي من الداخل. وأن الحياة لا تجود بالكثير من أمثالك. أنت استثناء وأنا محظوظ بك. أشعر بأن مهما سارت بنا المتاهات في طرق مختلفة، فإننا في مدار واحد لن نتباعد. ربما أنها مرحلة مراجعة، أو اختبار للمشاعر. لكن مهما حالت بيننا ظروف فثق أن السماء لا يمكن أن يكون فيها أكثر من قمر واحد. وأنا تجاوزت حالة الاحتمالات لأنني أدركت أن البدر لكي يكتمل لابد أن ينتظر إلى نصف الشهر. وأنا لكي تكتمل سعادتي مستعد أن أنتظر العمر كله.
اليوم الثامن:
لماذا كلما قررت أن أغادرك
أمشي خطواتي مسرعاً بعيداً عنك
أكتشف لاحقاً أنها في الاتجاه الآخر
وكانت تخدعني وتهرول إليك.