حقائق ضد الرتوش

محمد فهد الحارثي


لا تحسبي سفري رحيلا عنك، بل اقتراب إليك. لا تتوهمي أن انشغالاتي والتزاماتي دليل على التباعد أو خفوت وهج شوقي إليك. بل كل خطوة أخطوها بعيدا عنك تقودني عشرات الخطوات قربا إليك. أنت هناك في كل الأمكنة، أينما غادرت أكتشف أنك سبقتني إلى هناك.

حينما ألمس الحزن في عينيك، يسقط الفرح من بين أصابعي. يفقد الزمن انسيابه وتسلسله. لا تجعلي الظنون تبعدك عن الواقع. الحقائق لا تغيرها الرتوش. كل المسارات في هذا الكون وهمية، ما عدا طريقي إليك. أنت واحة من النقاء لا تتبدل مع الأيام. الصدق في زمن شَح فيه الوفاء.

كلما تأملتك أدركت كم أنا محظوظ، وتفاءلت بأن السعادة اختارت طريقها معي. لم يعد للآخرين مساحة. خارطة عالمي تغيرت تفاصيلها وحدودها. مركز الكون أينما تكوني، وبقية المساحات مجرد صحارى قاحلة. لاتنجح المقارنات في عالم المتباينات. أنت الاستثناء في عالم المتشابهات. 

 كيف يمكن لأشواقي أن تذبل وأنا في كل يوم أراك، أكتشفك من جديد: عالم من النبل، رقي في المشاعر، طيبة عفوية لم يخالطها الزيف. نعم. الأشخاص الذين يمثلون الأمل والفرح والطيبة هم الذين يعيدون ثقتنا في الحياة، ويضيفون اللمسة الإنسانية في أيامنا. نتعامل معهم كأمر طبيعي ومضمون. ولكن حين نفتقدهم ندرك كم هي الحياة صعبة بدونهم.

أدرك في قرارة نفسي أيا كانت النجاحات التي أصنعها، بعيدا عنك، فهي وهم زائل. وأعرف أن إحساسي بوجودك في حياتي هو الذي يمنحني طاقة العطاء ونعمة التفاؤل. أعود إليك وأنا احمل شوقا يتجاوز مساحة  الكلمات وحنينا لا يعرف الملل، ويقينا بأن الغد سيمنحنا الفضاء لنرسم عليه سويا أجمل السنين.

اليوم الثامن:

هناك أشخاص يعبرون الذاكرة دون أن نعرفهم

وآخرون يمتلكون الذاكرة ونعيش ننتظرهم ...