خسارة العالم

محمد فهد الحارثي

 

تغادر سنة، وتسقط كسقوط أوراق الشجر في الخريف. والأغرب أنهم يحتفلون برحيل سنة؛ وكأن العمر بنك من السنين. ماذا تعنى احتفالات ليلة وزحمة الأضواء والضجيج؟ كل هذه العوالم تتقزم أمامك، لأنك وحدك الفرح وأنت من تصنعين معنى للزمن وتجعلين للحياة قيمة. اللحظات الحقيقية هي التي نقضيها مع من يستحق. ارتفاع الضجيح لن يسكت الصوت الداخلي. يتوهمون.. فالأشياء الجميلة هي في معانيها، وليس في أشكالها.

الرحيل أبداً لم يكن منك، بل إليك. والسفر هو تأكيد بأن البعد يكشف حقيقة القرب لك. هذه الأضواء بكثافتها وهذه الموسيقي بتنوعها تنهزم أمام ضوء عينيك وموسيقى همساتك. من الصعب المقارنات بين الزيف والحقيقة، بين الأصل والصورة. وأنت دائماً تمثلين النور الذي لايخفت بريقه، والشجن الذي لا يصدأ صوته. محظوظ أنا بوجودك لأنني اكتشفت جمالية الحياة من دون زيف. اكتشفت الوجه الآخر الذي لم يلوثه الخداع والتلون.

رحيل السنين لا يقلقني. ما يشغلني هو أنت. العمر الذي أعيشه هو اللحظات التي تشاركينني فيها. الأماكن متشابهة ما عدا المكان الذي يضيء بوهج نورك. احتفالي الحقيقي هو حينما ركضت الذاكرة بعيداً عما حولي ولجأت إليك. المظاهر صور مؤقتة يتم تركيبها بجهد ومداها محدود، بينما أنت عفوية وتلقائية لا تحتاجين فيها إلى بذل أي جهد. كونك أنت فقط، يكفي.

من أصعب الأشياء حينما تصبح رحلة الحياة أرقاماً. كل يوم يأخذ من رصيدك شيئاً من دون مقابل. ونقر برحيل عام في نهاية كل سنة باحتفال كبير. ماعادت حسابات السنين تشغلني. عمري الحقيقي هو الذي نرسم صفحاته معاً، ونقرر نحن مساراته. احتفالي الحقيقي هناك في ذاك الركن، حين تعطرين المكان بأنفاسك، وتجعلين المحيط كله صفاء ونقاء بحضورك. لقد خسر العالم الاحتفال الحقيقي وربحتك أنت.

اليوم الثامن:

الاحتفال الحقيقي ليس في المكان...

 بل في من يشاركك الوقت ويمنحك الأمان.