لا تعط الشخص أكثر من حجمه

الدكتورة مايا الهواري
د. مايا الهواري
د. مايا الهواري

يُقال لا تُعط الشّخص أكثر من حجمه، فما المقصود من هذه العبارة؟

تعني أنّ لكلّ شخص قدره وحجمه المحدّد، ولا ينبغي إعطاء شخص ما ذو مقام صغير تغذية كبيرة تكون دافعاّ للتّكبّر، وأيضاً من الممكن أن يكون الشّخص ذا مقامٍ كبير أو منصب رفيع عالٍ في العمل أو أي مكان آخر، ولكنّه على الرغم من منصبه هذا ومقامه الكبير في الدّنيا، فإنّه لا يحظى بالقبول الدّاخليّ من قبل الآخرين، فلا يكنّون له الاحترام ولا يبادلونه الحبّ، سواء أكان ذكراً أم أنثى؛ ما يجعل من يقابله يخاطب نفسه ويحدّثها أنّه مع ما يتمتّع به ذلك الشّخص من مكانة مرموقة، فإنّ حجمه في قلوب النّاس لا يتجاوز قطعة صغيرة، قدر كفّ اليد؛ ما يمنعهم من إعطائه طاقة من طاقتهم أو تركيزاً أو اهتماماً لا يستحقّه من وجهة نظرهم؛ لأنّه يكون قد تسبّب في خذلانهم أو الكذب عليهم. أمّا النّوع الثّالث فالنّاس تفعله عمليّاً، فإذا شاهد الشّخص إنساناً ما قام بتجاهله تجاهلاً كلّيّاً، ويُعدّ هذا الأمر في غاية الصّعوبة أن تتجاهل شخصاً يجلس أمامك، وهنا لا بدّ من توظيف الذّكاء العاطفيّ في ذلك، بأن يمتلك الشّخص القدرة على عدم إظهار مشاعره تجاه من أمامه، حتّى إن كان كارهاً رؤيته، وألّا يُظهر له مشاعر الكره والحقد، بل يتحكّم في نقاط ضعفه، ويتحلّى بالقوّة في المواجهة، على أن تكون هذه المواجهة بشكل مؤدّب محترم؛ لأنّ الاحترام يبدأ من احترام الشّخص لذاته، فلو قابل شخصاً صغيراً بحجمه نتيجة أفعاله لم يتجاهل وجوده، وخاصّة أمام الملأ، بل يسلّم عليه، وهذا ما تمليه عليه أخلاقه العالية وتربيته، بغضّ النّظر عن تصرّفات ذلك الشّخص.

لذلك، ينبغي على المرء أن يتصرّف مع من حوله برقيّ، وأن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، من دون زيادة أو نقصان، حتّى لا يأخذ الصّغير أكبر من حجمه فيتمرّد، ولا أقلّ من قدره فيرحل؛ لأنّ من يأخذ زيادة على حقّه يصبح كالبالون أوّل ما ينفجر سينفجر في وجه من أعطاه قيمة كبرى وقام بتصغير نفسه أمامه، فلا تصغّر نفسك لأجل أحد أكثر من اللّازم؛ لأنهم بذلك يظنّون أنّك لا تمتلك غيرهم، ولا تستطيع العيش من دونهم فيتكبّرون. فموازنة الأمور خير ما يقوم به المرء، والتّعامل الوسط المعتدل كالوردة الّتي تموت لكثرة سقايتها، لذا ينبغي في بعض المواقف أن يقوم الإنسان بالتّجاهل الّذي يعيد كل شخصٍ إلى حجمه الطّبيعيّ، حتّى لا يتمّ رفع أحد فوق قدره فيحطّ من قدر الآخرين.

ومن هنا، فعلى الإنسان أن يضع نصب عينيه حكمة مفادها: ما زالت أمامَك دروسٌ في الحياة لم تتعلّمها بعد، وأن تُنزل النّاس منازلها حتّى لا تتألّم وتزعج نفسك وإيجابيّتك التي هي سرّ نجاحك.