في السابق، كنتُ أكتبُ لكَ بسرِّيةٍ تامَّةٍ، وأخافُ أن يقرأ كلماتي أي جزءٍ مني، فيتَعَرَّف عليك، ويعترف بك مثل باقي المشاعر، فتصبحَ في يومٍ ما توأماً لقلبي، مثل السعادة، أو حتى رفيقاً لعقلي، مثل الأمل، لذا في كل مرَّةٍ كنت أختارُ أن أنسى ما كتبت لك، وأن تتجاهلَ أنت ما قرأتَ، وفهمتَ من رسائلي.
هكذا كان شكلُ العهد الذي قُطِعَ بيننا "لا أنت تنتظرُ رسائلَ جديدة، ولا أنا أترقَّبُ ردَّك أبداً".
أتدري أن هناك عديداً من الرسائل التي لم تصلك! والسبب أنني تراجعتُ عنها في اللحظةِ الأخيرة بعد أن انتهيتُ من كتابتها، ففرَّت هاربةً مني. لا أدري حتى يومنا هذا ما الذي حلَّ بها..
أضف إلى ذلك، أنني كنتُ أستخدمُ للتعبير عنك، بيني وبين نفسي، رموزاً، لا تدلُّ عليك، وأحاولُ تغيير اسمك وصفاتك إذا اضطررتُ إلى أن أتحدث عنك..
أتذكر كم مرَّةً لعنت بها التعايش، لأنك في نظري تشبهه؟! حتى الرضا كانت علاقتي به متردِّدةً، لأنه يذكِّرني بحالة الهدوء الدائمة التي تصاحبُ ملامحك.
إذا حصل وواجهني أحدهم بعلاقتي بك، كنتُ أنكرها بغضبٍ، بل وأتظاهرُ بأنني لم أسمع عنك من قبل، لدرجة أنني كنت أرتبكُ، وأتفقَّدُ آثار أصابعك التي كانت باقيةً على كتفي منذ آخر لقاءٍ بيننا.
اليوم، وبعد كل هذه الفترة، قرَّرتُ أن تكون رسالتي لك مختلفةً، لا أوجِّهها لكَ وحدك، ولم تَعُد سراً، أخاف أن يُفضَح، فأخجل منه.
السبب في تغيُّري، أنني اكتشفتُ أخيراً بأن هناك جزءاً منك، ظُلِمَ بسببنا، وبسبب طبيعة تربيتنا، وتعريفك بشكلٍ خاطئ، ورسمك بصورةٍ مُبالغٍ في قباحتها وسوادها..
لا أستطيعُ أن أنكر أنك تملك جانباً يشبه هذا الوصف، لكن لديكَ جانبٌ آخر حقيقي وصحي، ونحتاج إليه للتعافي، ولك كل الحقِّ في أن تعيش مع مشاعرنا وفوضانا، وأن تكون جزءاً من مراحلنا.
ما المانعُ في أن نستسلم، ونتوقَّف عن الحرب التي نخوضها مع أنفسنا مرةً واحدةً فقط؟
ماذا سيحصل لو استسلمنا لفكرةٍ، أو لموقفٍ، أو حتى لفشلٍ، نتعلَّم منه، ويكونُ السببَ لأن تعود عجلةُ النجاحِ كما هو مخططٌ له؟
الاستسلام: في بعض الأحيان، هو تعافٍ، وصحةٌ، وسلامٌ، نعود بعده أكثر صلابةً.