التَّعايش مع الثّقافات الأخرى

الدكتورة مايا الهواري

 

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع العيش منفرداً أو منفصلاً عن أبناء جنسه، لذا نجد أنّ تقبّل الآخر والتّعايش معه يشكّل محوراً أساسياً في العلاقات الإنسانية بين البشر، وتشكّل دولة الإمارات حالة متميّزة على صعيد التّعايش السَلمي بين المقيمين على أرضها، ليس فقط على صعيدٍ عربيّ، وإنّما على صعيدٍ عالميٍّ أيضاً، وهي في هذه التّجربة تقدّم نموذجاً يحظى باحترامٍ كبيرٍ في الأوساط العالميّة.

إنّ التّكيّف مع الثقافات الأخرى يُعدّ ضرورة ملحّة للحياة من النّاحية الإنسانية قبل النّاحية الإماراتيّة، إذ نجد أنّ دولة الإمارات علّمت أبناءها كيفية التّعامل مع الإنسانيّة، فالنّاس فيها من دول مختلفة متعدّدة الثقافات والعقليات والقيم والمبادئ، ما يستوجب إعطاء مساحة كافية للآخرين وملاحظتهم، ومعرفة سبب تصرّفاتهم بهذه الطّريقة.

فالله تعالى خلق النّاس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأعراقهم ودياناتهم، وعند التّعامل معهم ليس من المعقول الحكم عليهم من خلال تلك الصّفات، بحجّة أنها لا تناسب صفاتنا ولا تنطبق علينا، فنبتعد عنهم بذريعة ذلك.

إنّ الثّقافات المختلفة تعني الدٌّول وتعني العالم بأكمله، كما أنّها تعني الإنسانيّة، ذلك أنّ الإنسان مكوّن من روحٍ وجسد، وليس عبارة عن لون وعرق وأصل، وقد رسّخت دولة الإمارات الحبيبة لدى أبنائها عكس هذه الأفكار، وعلّمتهم التّعايش والتّأقلم والتّحاور، والتّسامح الذي يعدّ أعلى درجات الإنسانيّة، كما أنّه أعلى درجةً من السّعادة، فالتّسامح يؤدي إلى السّعادة التي بدورها تؤدّي إلى الرّضى.

 كما أنّها خلقت من أفرادها المواطنين والمقيمين إنساناً دولياًّ - ذلك أن هذه الدولة تضمّ أكثر من 260 جنسيّة على أراضيها – وحثّت على تربية الأبناء بطريقة دوليّة أيضاً، فالطّفل يكبر داخل أسرة تمتلك قيماً ومبادئ معيّنة، ثمّ يخرج للمجتمع ويرى التّعدد الكبير من العادات والثقافات والجنسيّات المختلفة، فإن كان قد تربّى على هذا التعدّد فلن يرى الأمر عجباً؛ بل سيكبر ولديه نظرة دوليّة، وسينشأ منفتحاً، منفتحاً بعقله وروحه أيضاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ المنزل هو أساس القيم، فنراه يحترم الآخر ويتعايش ويتعامل معه من دون أن ينسى القيم والمبادئ التي تربّى عليها، فالأسرة هي نواة الوطن وقيمها هي أساس القيم لاحترام قيم ومبادئ الآخرين.