كل الأشياء التي نظنها لا تفهمنا؛ هي أكثر مَن تجيد ذلك، لذا كلمّا ملأناها بذكرياتنا؛ أعادتها إلينا في وقت لن نتوقعه، وهنا تكمن حقيقة اللحظات التي نحاول جاهدين نسيانها، دون أي جدوى تذكر.
هل تتألم كل الأشياء من حولنا وتضحك مثلنا؟ هل تجيد الصراخ والبكاء ولو صمتاً؟ هل تقول لنا «لا» عندما نستغلها رغماً عنها؟ هل يمكنها الشعور فعلاً نيابةً عنّا وعنا؟
بعض التفاصيل التي نتقاسمها مع الأمكنة والأزمنة التي نعيشها؛ ما هيّ إلا بداية لعدم النسيان، فهي ستذكرنا بما عشناه كلما مررنا بمحاذاتها، أو تقاطعنا معه مصادفة؛ فذاكرة الحياة الصامتة لا تهرم، بل تزداد قوتها كلما كبرنا نحن، وكأنها تريد أن تخبرنا بأن الزمن الذي ركضنا بداخله في مراهقتنا، ما هو إلا قصاصٌ لبقية عمرنا.
كما قال أميل سيوران: «ما أميزه في كل لحظة من اللحظات، هو لهاثها واحتضارها، وليس الانتقال نحو لحظة أخرى، أهيئ زمناً ميتاً، وأتمرغ في اختناق الصيرورة».
لكن ليس عليّنا الاختناق بها، بل علينا أن ندرك جيداً بأنها قد تبقى مسالمة، ما دام لن نحقنها بالمزيدِ من عبثيّة مشاعرنا؛ فاللحظة التي تُشرّع للجنون كل طرائق الهوى، هي ذات اللحظة التي ستلقينا نحو الهوة ونحن بملءِ الدهشة.
فكل بداية جامحة تقودنا للرقصِ والغناء، لن تكن سوى نهاية مأساوية سنبكي بسببها؛ فالأشياء التي تحيطنا منذ الربكة الأولى، هي أكثر ما يفهمنا في زحام الخيبة الذي سنتعرض له يوماً ما.
لذا: أهلاً بكل وخزة ستشعرني بقيمة العمر الذي أسرفته عليهم، وما زلت أنفقه بتبذيرِ عاشقة حالمة.