حين أعلى المعماريّون الأوائل البنيان في الدولة الإسلاميّة، لم يخطر في بالهم ربما أنّ تصاميمهم الهندسيّة ذات الطابع التجريدي، وزخارفهم الدقيقة وخطوطهم المنحنية ستحمل الإلهام لمصمّمات ومصمّمين سيقدّمون الفنّ الإسلامي في قالب معاصر، ومنهم الإماراتيّة مريم السويدي التي تعيد صياغة الفنّ الإسلامي، في أعمالها. في الآتي، نصّ حوار "سيدتي" مع المصمّمة والفنّانة مريم السويدي، التي لا تمرّ العين أمام ابتكاراتها في عالم التصميم المعاصر مرور الكرام.
تعكس التصاميم والقطع الفنّية الموقّعة باسمك قدر اهتمامك بالفنّ الإسلامي؛ متى بدأ هذا العشق متتالي الفصول؟
منذ سنٍّ صغيرةٍ، كان التصميم الإسلامي يسترعي انتباهي، بتعقيداته الجذّابة، بالإضافة إلى فنّ الخطّ العربي، وفنّ الأرابيسك المُستلهم من الطبيعة، وتحديدًا من عناصرها ذات الأشكال الهندسيّة المحدّدة. في دفاتري القديمة، رسوم كثيرة تُبيّن هذا الاهتمام، الذي تضاعف خلال سنوات دراسة التصميم الداخلي بالولايات المتحدة، حيث عشت لخمس سنوات. هناك، لاحظت أن التصاميم لا تعبّر عن هويّة محدّدة، بخلاف التصميم الإسلامي ذي القيمة، والذي عمّر طويلًا. لذا، كثّفت اهتمامي في التصميم الإسلامي في سنوات الجامعة، وتحديدًا في المشاريع، والبحوث لنيل شهادة الماجستير، وبعدها في مضمار العمل، وركّزت على كيفيّة توظيفه في أعمالي، بصورة تخفّف من قوّته وكثافته، حتّى يقرب من العصرنة، بما يتفق مع أذواق الناس، والاتجاهات الراهنة، والتبسيطيّة. والأخيرة عبارة عن تيّار يتصف في جزء التصميم الداخلي منه، بندرة الألوان وغياب الزخارف والطابع المحدّد الذي يحكمه. ولم يقتصر الأمر على أساسيّات المنزل، كالجدران بل طال المفروشات، والمنسوجات.
تابعوا المزيد: ألوان أنثوية غير تقليدية رائجة في الديكور
كيف يتحقّق الدمج بين الطراز الإسلامي في التصميم، والأسلوب المعاصر؟
تتحقّق طريقة دمج الطرازين ببعضهما البعض عن طريق اختيار خامات رائجة راهنًا، ومنها الأسمنت والخرسانة، فالاشتغال بها، بتأثيرات من الفنّ الإسلامي. وفي هذا الإطار، يمكن توظيف الخطوط الإسلاميّة، مثلًا، بطريقة مبتكرة في تصميم قطع الأثاث المعاصر، وكذا هو الأمر في شأن الزخارف الإسلاميّة التي أمست تنفّذ بمواد أخرى غير الجبس، المادة التي كانت بارزة في التصميم الإسلامي التراثي.
من هي الفئات المهتمّة بهذا النمط من الأعمال الفنيّة؟
تنجذب أجيال مختلفة إلى هذا النمط من الأعمال الفنّية؛ الأكبر سنًّا يهتمّون بالجانب التراثي الذي تسترجعه هذه التصاميم، فيما الأصغر سنًّا يهتمّون ببساطة هذه الأعمال والقصص الكامنة خلفها، ويرغبون في اقتناء قطعة منها (كرسي، مثلًا) حتّى تلعب دورًا محوريًّا في الجذب في مساحاتهم.
تدعو تصاميمك إلى إطالة النظر إليها للكشف عن كنهها، كيف تبدأ مراحل العمل، قبل أن تصل القطعة المعرض الفنّي؟
عند استهلال أي عمل فنّي، أسترجع في ذهني التصميم الهندسي الإسلامي والخطوط العربيّة وفنّ الأرابيسك؛ كلّما أمسكت القلم بغية التخطيط أو الرسم أو إعداد مسودّة ما، أول ما يبدو على الورق هو الشكل الهندسي الإسلامي للعمل. وانطلاقًا من الشكل المذكور، أكوّن الفكرة (كرسيّ، مثلًا، أو مكتبة أو...)، فأعدّل فيها، حتّى أقرّبها من التصميم المعاصر، مع إضفاء رشّة غرائبيّة على العمل. بعد الفراغ من الرسم، تبدأ مرحلة اختيار الألوان والخامات، وفي هذا الإطار، تستهويني الخامات الحديثة، كالخرسانة والخشب.
إبداع الحرف العربي
الحروفية العربيّة تتردّد في أعمال المصمّمين العرب المعاصرة، خلال السنوات الأخيرة..
مع تداخل المجتمعات والثقافات ببعضها البعض، وميل المصمّمين إلى النهل من التراث، من الواضح إقبال الناس على العمارة والأثاث وأعمال التصميم الداخلي والقطع الفنّية التي تبرز الحروف العربيّة. كما تتعزّز الإبداعات في هذا المجال، مع كثرة الخطوط العربيّة، التي ينظر الغرب إليها، بانبهار.
كان لجائحة "كورونا"، وما تبعها من حجر وقائي، دور في بقائنا بالمنزل، الذي أمسى مكانًا للعيش والعمل والراحة. كيف سينعكس نمط الحياة الذي فرضه الفيروس على الديكور المنزليّ؟
ترد إلى مكتبي مكالمات عدّة من ناس يرغبون في إعادة تصميم منازلهم أو فللهم، حتّى تستوعب كلّ نشاطاتهم الحاليّة. داخل المنزل، يُلاحظ أن الغالبيّة ترغب في حجز مساحة مطلّة على الحديقة أو أي منظر خارجي، حتّى يشغلها مكتب العمل (أو الدرس). وثمّة اهتمام متزايد في اقتناء النباتات الداخليّة، في محاكاة للطبيعة في المساحات الداخليّة للترويح عن النفس والاستلهام، وأيضًا في تصميم مساحة "شخصيّة" غرضها الاسترخاء أو القراءة. إلى ذلك، تحظى الغرف الزجاج الداخليّة بالاهتمام، بخاصّة في مناخ الخليج الحارّ، الذي لا يسمح دائمًا في الجلوس في الخارج. هذه الغرف المكيّفة، قد تستحدث في البلكونة، التي تقفل لهذا الغرض، أو في أية غرفة أخرى. أما الألوان، تتقدّم الفاتحة منها، ولا سيّما تلك الترابيّة، المشهد، دافعةً بالألوان القويّة إلى الخلف.
تابعوا المزيد: ديكورات أنثوية في غرفة النوم تراعي ذوق الشريك