عندما نفكر في أكبر قيمة بالحياة، نجد أننا جميعاً نبحث عن الشعور بالأمان والاستقرار في علاقاتنا بالآخرين سواء كانت علاقات صداقة أو حب أو حتى زمالة بالعمل أو الدراسة، وفي سبيل ذلك نبذل أقصى ما بوسعنا، ونقدم لهم أفضل ما لدينا للحفاظ عليهم ولنشعر بشيء من الطمأنينة في علاقتنا بهم، وبرغم ذلك قد يتعرض الكثيرون منا للغدر أحياناً والفراق أحياناً، وقد يقابل البعض مشاعرنا القوية نحوهم بمنتهى اللامبالاة، ولا نجد منهم غير المشاعر السلبية التي تجعلنا في حالة توتر وقلق وعدم استقرار، ونتساءل ما هو الخطأ الذي وقعنا فيه؛ حتى يبتعد عنا الناس، فكري قليلاً في الأمر عندما يتمسك بك البائع؛ لتشتري بضاعته، تعتقدين أن بضاعته ليست جيدة، وأنه يحاول تسويقها ليس لجودتها، وإنما ليتخلص منها فتذهبين للبحث عن محل آخر أفضل منه من وجهة نظرك، هكذا هو الحال إذا شعر الناس في بداية علاقتهم بك بأنك تبذلين أقصى ما لديك لإرضائهم، وتبالغين في اهتمامك بهم، فذلك حتماً دليل على أن لديك عيباً معيناً تحاولين إخفاءه؛ لأن الاهتمام الزائد قد يترك انطباعاً بعدم ثقتك بنفسك، وبأنك تبذلين مجهوداً كبيراً؛ لتعوضي نقصاً لديك على الأقل من وجهة نظرهم، فالناس عموماً والرجال خاصة لا يقدرون قيمة الأشياء التي يصلون إليها بسهولة من دون أن يبذلوا جهداً؛ للحصول عليها، فإذا أعطيتِ الناس أفضل ما عندك بمنتهى السهولة، فسيرونه أقل كثيراً من قيمته الحقيقية، ومع الوقت سينتظرون منك أكثر وأفضل منه، بل وقد يجدونك فرصة مناسبة للاستغلال، وإذا لم تفعلي فسوف تصبحين مقصرة ولا تعرفين الواجب والأصول، بينما لو أعطيتهم بالتدريج وتبعاً لمكانتهم عندك، ولما يقدمونه لك في المقابل، فسيكونون ممتنين لكل ما تفعلينه لأجلهم ذلك هو فن العلاقات، وقد يعبر المثل الشعبي المصري "أبو بلاش كتر منه" ببساطة عن واقع الناس، فهم يتعاملون مع الشخص الذي يعطي بغير حساب، كما لو كان لعبة لها بطارية طويلة الأمد، يظل التعامل معها جيداً طالما البطارية لازالت تعمل، بينما لو فرغت شحنتها يتحول اهتمامهم وامتنانهم لها إلى إهمال وعدم اكتراث؛ لأنها لم تعد تعطيهم ما يرغبون به، أو ما كانوا يحصلون عليه من قبل بسهولة، فإذا أردت أن تحظي بعلاقة آمنة وجيدة فلا تعطي الآخرين أكثر من حقهم، ولا تكوني فرصة سهلة وسانحة لأحدهم طوال الوقت، وتعلمي في بداية أي علاقة ألا تنجرفي وراء مشاعرك، ولا تمنحي الآخرين كل ما لديك دفعة واحدة، بل تراجعي خطوتين للوراء لتري الصورة بوضوح، وبعدها تقدمي نحو الأشخاص بشكل تدريجي، اتركي دائماً مسافة آمنة بينك وبينهم؛ حتى لا تصطدمي بهم، اتركي فرصة لتدارك الأمر، ولكي يبقى الجميل في عينيك جميلاً لا تقتربي كثيراً.