القلوب الطّيّبة كالذّهب اللّامع لا تصدأ حتى لو أنهكها التّعب، لا تقبل إلّا طيّب، هي كالزّجاج النّقيّ مجرّد مسحه بكلمة طيّبة يعود لامعاً برّاقاً، والإنسان ذو الشّخصيّة الطّيّبة اجتماعي بطبعه، محبوب من قِبل الجميع لصفاء قلبه وتواضعه وببساطته، يخترق قلوب المحيطين به بعباراته البلسم فتزيل البؤس عن النّفوس الحزينة، معطاء لدرجة كبيرة، ولكن بالمقابل نجد ردّة فعله حادّة وقاسية في بعض المواقف، لأنّه إنسانٌ نظيفٌ من الدّاخل وعندما ينصدم بمواقف بعض الأشخاص وخاصّة المقرّبين منه نراه يُبدي ردّاً انعكاسيّاً قاسياً، ويتعهّد نفسه بأن يتحوّل إلى شخصٍ خالٍ من الطّيبة وأنّه لن يتعرّف إليه أحد، لأنّه سيتغيّر بشكلٍ كلّيّ، فقد تألّم كثيراً ممّن حوله، إلّا أنّ النّيّة الطّيّبة لا تبرّر عملاً خاطئاً بأن يتحوّل إلى شخصٍ مختلف، إنّما هي شرطٌ أساسيّ للعمل الصّائب، لذا نجد أصحاب الأصول الطّيّبة لا يتغيّرون وإن حصل وتغيّروا لفترةٍ وجيزة سُرعان ما يعودون إلى فطرتهم السّليمة، لأنّ الطّيبة في داخلهم رمزُ الانتصار على النّفس الأمّارة بالسّوء، الطّيبة صفة ربّانيّة يمنحها الله لعباده الصّالحين، ليميّز بها الجميل من القبيح.
نعلم أنّ الأصيلَ يبقى أصيلاً مهما تغيّرت الظّروف، فمعدنه السّليم يحتفظ بنقائه دائماً مهما عصفت به نوبات الدّهر، وحتّى عندما تتبدّل الظّروف ويتغيّر تصرّفه مع الآخرين فإنّ هذا التّغيير يكون لفترةٍ وجيزة سرعان ما يعود لطبعه الأصيل بعد هدوئه وزوال الحالة الّتي أدّت إلى تغييره.
صحيحٌ أنّ الإنسان عندما يتعرّض لشدّةٍ معيّنة تختلط مشاعره ويصبح إنساناً آخر قد تكون ردّة فعله قويّة حسب الحالة الّتي تعرّض لها كما نراه يستمرّ مدّة معيّنة مصرّاً على موقفه، وأنّه سيتغيّر، ويغيّر سلوكه مع الآخرين وفق تصرّفهم معه، متخلّياً عن طيبته الّتي سينزعها من داخله، ويحاول ذلك جاهداً، إلّا أنّ معدنه الأصيل يعيده إلى الطّريق الصّحيح زارعاً بذور الطّيبة داخله لتنمو وتزهر من جديد، ولتجعل حياته أجمل، إذ لا ينبغي على الإنسان أن يتغيّر جذرياً بسبب أحدهم، فالأصيل يبقى أصيلاً والزّهرة تبقى جميلة حتّى وإن كان ما حولها سيّئاً، فازرع طيّباً واحصد طيّباً ،فالطيبة أجمل هدايا القدر للإنسان.