في ديوان "أثر الفراشة"، يصف الشاعر محمود درويش بصورة شديدة العمق والرقة الأثر الذي نحدثه في هذه الحياة مستعيراً للتشبيه عنه بأثر فراشة صغيرة يصعب علينا رؤيته، لكن من المستحيل ألا نشعر به ونعشقه..
هكذا دوماً كنت أقرؤها وأفهمها قبل أن أبحث عن حقيقة معناها وأتأكد منه.
أول مرة قرأتها كنت لم أتذوق بعد المعاني الخفية للشعراء، لا أميزها، ولا أكتشفها بسهوله، لكن هذه القصيدة تحديداً كانت تتحدث إلي، وتخبرني بأنها سر الشاعر الذي تركه لنا كأثره الذي لم يرحل بعد..
كثيراً ما تساءلت بيني وبين نفسي، وتناقشت مع من هم حولي عن الأثر.
يا ترى ما هو نوع الأثر الذي يتحدث عنا إن نحن رحلنا أو حتى بقينا؟
هل يشبهنا بالشكل؟ أهو رقيق كملامحنا؟ بسيط، مفهوم ومباشر كما نود أن نكون؟!
هل هو لطيف كالكلمات التي نبحث عنها ونرغب بسماعها ونتحدث بها؟!
ما شكل علاقته بنا، وما مدى ارتباطه وتعلقه بمن هم حولنا؟! هل نحن مسؤولون عنه إذا كان سيئاً متمرداً عاصياً لنا؟!
هل الذنب ذنبنا إذا أثرنا بشكل سلبي على الأشخاص أم أنهم يعانون من حساسية مفرطة؟
كيف نحدده!؟ ما هو الاسم الذي نناديه به، وهل يعجبه أم أنه يرفضه لأنه لا يدل عليه؟!
ماهي الطريقة المثلى لتهذيبه والحفاظ على جماله؟!
ماذا سيقول في الغياب إذا سأله أحدهم عنا؟!
سيتحدث أثرك عنك ويقول إنك كنت هنا يوماً ما، فلا تجعله خجلاً منك ولا تجعله سيئاً ثقيلاً يبحث عن شقوق الأرض ويرجوها لتبتلعه..
"أَثر الفراشة لا يُرَى
أَثر الفراشة لا يزولُ..
هو جاذبيّةُ غامضٍ
يستدرج المعنى، ويرحلُ
حين يتَّضحُ السبيلُ"