سمعنا عن أولئك الذين وُلِدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب، نعرف صفاتهم ونميزهم من بين ألف شخص.
ولكن هل سمعنا عن الذين ولِدوا وفي فمهم ملعقة من اعتذار؟
هذه الملعقة التي كانت من نصيب عدد كبير منا، غنياً كان أو فقيراً لا فرق، أولئك الذين خُلقوا ليعتذروا أولاً ومن ثم يأتي دور التنفس والعيش، سواء كان هذا الاعتذار عن خطأ مقصود أم غير مقصود، أو حتى عن ذلك الذنب الذي سمي ذنباً لمجرد أن الغير أراد أن يراه هكذا، وإن لم يُرتكب في الحقيقة بالصورة نفسها والنية والأهداف ذاتها.
هذه الملعقة تصيب صاحبها بالوهم، ومن ثم التصديق بأنه مخطئ لدرجة أن يجعل من الاعتذار نشيداً رسمياً لصباحه ومسائه، تجعله ينسى أن الأسف كلمة لها معنى، كالتوبة تماماً لا تخلو من النية بالصلاح والتغيير، فهي لا تأتي خوفاً، ولا هرباً، ولا جهلاً، ولا مجاملة، ولا حتى بحكم العادة.
هذه الملعقة حولت كلمتي "آسف وأعتذر" لتكونا في غير موقعهما كغيرهما من الكلمات التي جردناها من وظيفتها.
بتنا نتأسف عن الحب، وعن الصدق، وعن طبيعتنا!
نعتذر عن عجزنا لمساعدتهم وعن أننا لم نضغط على أنفسنا بالشكل الكافي لأجلهم، نتأسف عن آرائنا إن لم تعجبهم، عن أذواقنا إن لم تناسبهم، عن رغباتنا إن وقفت عكس مصالحهم، وعن طموحاتنا إن كشفت لهم حقيقة فشلهم.
أصبحت كلمة آسف إحدى المفردات التي تحتوي عليها لغة إرضاء الناس والتي لها قاعدة تقول: (إذا كنت على استعداد لأن تكون آسفاً عن كل شيء قد يواجهك، فسترضى عنك هذه الأمة).
وكأن الأسف هو الثمن الوحيد للبقاء وللرضا، وصولاً للحب.
كيف حولنا الأسف وتحولنا معه؟ كيف سمحنا لهذه الملعقة أن تبقى حتى صدأت على ألستنا؟
لماذا لم نعتذر عن قبولها وعن بقائها؟! لماذا لم نتعلم أن نعذر ونعتذر لأنفسنا عن هذه الحماقة التي قد تصل إلى مرتبة الجرم الذي لا يغتفر؟