انعكس الارتفاع المستمر لأسعار العقارات والوحدات السكنية في السعودية، خاصةً في المدن الرئيسة مثل الرياض وجدة والدمام، سلباً على أحلام الشباب السعودي، إذ يجد هؤلاء صعوبةً في تملُّك بيت الزوجية، ما يؤخِّر إقدامهم على الارتباط. وتتصدَّر أسباب هذه الظاهرة الازدحامُ السكاني في المدن الكبرى جرَّاء الهجرة الداخلية إليها، إذ تسبَّب ذلك في زيادة الطلب على العقارات، بالتالي ارتفاع أسعارها بشكلٍ جنوني، وهذا ما أكدته تقارير الهيئة العامة للإحصاء السعودية خلال الربع الأول من العام الجاري، إذ قفزت أسعارها بنسبة 0.4 % مقارنة بالفترة نفسها من 2021. «سيدتي» بحثت في أسباب غلاء العقارات، وطرق الحل مع عددٍ من الشباب والمختصين.
بيت الزوجية
بدايةً، أوضح سعد المالكي، أنه انتقل من منطقة عسير إلى الرياض من أجل العمل في الفرع الرئيس لإحدى الشركات، وزيادة دخله المادي، خاصةً أنه تزوَّج حديثاً، ويحتاج إلى تحسين وضعه، لكنه واجه مشكلةً كبيرةً في العاصمة، ألا وهي إيجاد الشقة المناسبة له، وعن ذلك قال: «بمجرد وصولي إلى الرياض فكَّرت في تملُّك شقة الزوجية، لكن بعد جولة بحثٍ سريعة، شعرت بصدمةٍ كبيرة، نظراً للارتفاع الجنوني لأسعار العقارات».
وأضاف: «حقيقةً، لم أتوقَّع أن يصل سعر الشقة إلى مليون ريال، وهذا بالتأكيد يفوق قدرتي المالية، حتى لو بحثت عن دعمٍ مادي، وحصلت على قرضٍ من إحدى الجهات».
تأثير مواقع التواصل
في المقابل، رأت منى الأسمري، ربة منزلٍ، أن «ارتفاع أسعار العقار في الرياض طبيعي جداً في ظل وجود فجوةٍ كبيرةٍ بين العرض والطلب، وعدم الاحتكام إلى معايير موحَّدة في ذلك، هذا إلى جانب حدوث تغييراتٍ في آليات امتلاك الشقق، منها تضخيمُ مواقع التواصل الاجتماعي الموضوع، ودفع الناس للإقبال على تملُّك العقار بسرعةٍ قبل ارتفاع الأسعار».
وكشفت منى عن أن «السوشيال ميديا لها دورٌ كبيرٌ في هذه الأزمة، إذ جعلت المقتدرين مالياً وغير المقتدرين يُقبلون على الشراء، ما رفع الأسعار بشكلٍ هائلٍ، وأدى إلى انعدام القوة الشرائية لدى الكثيرين، فأصيبت سوق العقار بالركود».
منى الأسمري: الارتفاع الهائل في الأسعار أدى إلى انعدام القوة الشرائية فأصيب سوق العقار بالركود
حلم تملك المنزل
وتسبَّب ارتفاع أسعار العقارات في عدم قدرة سلمى الشلهوب، موظفة، وزوجها على تحقيق حلمهما بتملُّك منزلٍ طوال تسع سنواتٍ «فكلما نجحنا في ادخار مبلغٍ معيَّن، نتفاجأ بارتفاع الأسعار إلى الضعف»، حسبما أكَّدت سلمى.
وحول الحلول التي عملا عليها لشراءٍ بيتٍ، قالت: «حاولنا الاقتراض من البنك لشراء عقارٍ، لكنَّ نسبة الزيادة ارتفعت كثيراً في البنوك المحلية بعد أن رفع البنك الفيدرالي الأمريكي من الفائدة، وأصبح من الصعب علينا سداد القرض من ميزانية أسرتنا، لذا نفكر حالياً في شراء قطعة أرضٍ لبناء عقارٍ عليها، وهذا أفضل بكثيرٍ من السكن في منزلٍ بالإيجار، لكننا نواجه مشكلةً في توفير الدفعة الأولى لسعر الأرض، ولفعل ذلك علينا أخذ قرضٍ مستقلٍّ، وهذا يرهق ميزانيتنا، إلى جانب قرض البناء».
تابعي المزيد: يستعدون لمرحلة حياتية جديدة بعد الثانوية .. الجامعة أم العمل؟
فجوة العرض والطلب
سلطان العلي: الأسعار الجنونية تحتاج لدراسة أسبابها وإنهاء جشع «هوامير العقار»
كذلك أكد سلطان العلي، موظف، أن الكثيرين يعانون من ارتفاع أسعار العقارات، خاصةً في المدن الرئيسة مثل الرياض، مرجعاً السبب للهجرة الداخلية إلى المدن الكبرى بحثاً عن العمل، أو من أجل الدراسة، وهو ما يشكِّل فجوةً بين العرض والطلب في كثيرٍ من الخدمات، منها السكن، مبيناً أن الأمر يحتاج الى تكاتف الجهود، ودراسة الأسباب الكامنة وراء الأسعار الجنونية، ووضع حدٍّ لجشع «هوامير العقار».
المدن الرئيسة
وكشف محمد الكريديس عن أن أسعار العقارات والوحدات السكنية في المدن الكبرى، مثل الرياض وجدة والدمام، ترتفع سريعاً وبشكلٍ مبالغٍ فيه، وحول ذلك قال: «رأينا خلال الأعوام الخمسة الماضية ارتفاعاً هائلاً لأسعار الشقق في المدن الكبيرة، كونها تحتضن مشروعاتٍ مهمة، وشركاتٍ إقليمية ومحلية، ما يجعلها هدفاً للباحثين عن العمل، لاسيما من الشباب، وهذا ما يتسبَّب في ارتفاع أسعار العقارات بشكلٍ جنوني، إذ يُقبل هؤلاء على شراء مساكن خاصة هرباً من الإيجارات المرتفعة».
خطة خمسية
نوف عبدالعزيز: نتمنى إصدار قوانين ولوائح تقنِّن من أسعار العقارات قريباً
نوف عبدالعزيز، التي تزوَّجت حديثاً، ذكرت أنَّ رحلتها وزوجها للبحث عن «بيت الزوجية»، ما زالت مستمرةً، مبينةً أن ارتفاع أسعار الفلل يدفعهما إلى الاتجاه للشقق الصغيرة، ومع ذلك تصدمهما أسعارها الباهظة.
وحول خطتهما لحل هذه المشكلة، قالت: «أجَّلنا هذه الفكرة حالياً، وسنبقى في شقةٍ بالإيجار حتى تستقرَّ الأسعار، فهي لا تناسب دخلنا المادي». مضيفةً: «وضعت مع زوجي خطةً خمسيةً لادخار المال، مع متابعة أسعار العقارات، واستغلال الفرصة المناسبة لتملُّك بيت الأحلام، خاصةً في المشروعات الحكومية المستقبلية»، متمنيةً إصدار قوانين ولوائح تقنِّن من أسعار العقارات قريباً.
تابعي المزيد: تحديات شباب اليوم ..بين الأحلام والواقع والأولويات
خبراء العقار
الدكتور ماجد الركبان: السوق العقاري في السعودية يتغيَّر للأفضل في ظل الدعم اللامحدود من القيادة وسعيها إلى تصحيح المسار نحو سوق حيوي وشفاف
ونوَّه الدكتور ماجد الركبان، الخبير في القيادة الاستراتيجية والعلوم العقارية، إلى أن حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أشار فيه إلى أهمية وجود مطورين عقاريين أكثر احترافيةً دلالةٌ واضحةٌ على جدية الدولة وقادتها في تحقيق «رؤية السعودية 2030» التي تهدف إلى توفير السكن المناسب للمواطن من خلال «برنامج الإسكان»، و«برنامج جودة الحياة»، والمبادرات التي تندرج تحت هذين البرنامجين. وأكد أن «دخول شركات التطوير العقاري الأجنبية، التي كانت لها تجارب ماضية في بلادنا، السوقَ العقارية السعودية، سيشكِّل إضافةً كبيرةً لها، لا سيما من حيث التصميم والإشراف والتنفيذ، وسينعكس ذلك إيجاباً على نوعية المنتجات العقارية المقدَّمة، ونقل خبراتها إلى الكوادر الوطنية، وخلق حالةٍ من التنافسية في المنتجات السكنية، وتلبية الطلب على المنتجات العقارية ذات الجودة العالية والاستدامة الطويلة، وظهور منتجاتٍ عقاريةٍ جديدةٍ ذات قيمةٍ مرتفعة، تحقق رضا المستفيدين، إضافةً إلى تعزيز خبرات شركات التطوير العقاري المحلية، وتفهمها متطلبات السوق، ومواكبة التغييرات الاجتماعية وانعكاساتها على حاجات ورغبات المستفيدين، لنصل في النهاية إلى منتجات تحقق الاستدامة المطلوبة»، مبيناً أن «نظام الاستثمار الأجنبي، يتيح فرصاً كبيرة للمستثمر الأجنبي سواءً من خلال الاستثمار المباشر في سوق التطوير العقاري، أو الدخول في شراكاتٍ مع مطورين محليين لزيادة المعروض من المنتجات السكنية، وتلبية الطلب المتزايد عليها، خاصةً أن السوق العقارية أصبحت الآن أكثر قدرةً على استقطاب الشركات الأجنبية في ظل تحسُّن البيئة الاستثمارية والتنظيمية». وشدَّد الركبان على أهمية تذليل الصعوبات التي قد تواجه هذه الشركات بمنحها جزءاً من الأراضي التي قُدِّمت للمشاريع الإسكانية عبر وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وتسهيل إجراءات العمالة والمعدات لشركات المقاولات، وتوفير التمويل اللازم لإنجاز مهامها التي استُقطبت من أجلها، لافتاً إلى تخصيص الدولة أراضي لوزارة الإسكان، منها 30 مليون متر مربع في الرياض، على سبيل المثال.
العرض والطلب
وأفاد الركبان بأن أسعار المنتجات العقارية يحكمها في النهاية العرض والطلب في السوق العقارية، وهو ما سيؤدي إلى خروج المنتجات ذات الجودة المتدنية من السوق، وتصحيح أسعارها لعدم قدرتها على المنافسة مع مبانٍ ذات جودةٍ أفضل، وأسعارٍ مقبولة باستخدام الهندسة القيمية، ويأتي ذلك في إطار تميُّز المطورين العقاريين عن طريق تزويدهم بالمهارات والخبرات والمعارف اللازمة لتطوير استراتيجيات وطرق عملهم، ونقلها إلى مستوى أفضل من المهنية والاحترافية.
صندوق الاستثمارات العامة
ورحَّب الركبان بدخول صندوق الاستثمارات العامة سوق التطوير العقاري لقيادة السوق نحو تطوير مجتمعاتٍ سكنيةٍ متكاملة، وطرح مشروعاتٍ غير تقليدية، مثل مشروع «سدرة»، الذي يتميَّز بتصميمٍ حضري متكاملٍ، ومبانٍ مستدامة، ما يسهم في رفع نوعية حياة المواطن في هذا الوطن المعطاء. وختم الركبان حديثه بالتأكيد على أن السوق العقارية في السعودية تتغيَّر للأفضل في ظل الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة، التي تضع المواطن نصب عينيها، وتعمل على تصحيح مسار السوق العقارية لتصبح سوقاً حيويةً وشفَّافة، تتميَّز بالثقة والابتكار.
تابعي المزيد: في يومهم الدولي الشباب العرب.. نظرة إلى المستقبل
ارتفاع طبيعي
ماجد العرابي الحراثي: ارتفاع أسعار العقارات خلال السنوات الثلاث الماضية أمر طبيعي نتيجة زيادة الطلب والتمويل
وشدَّد ماجد العرابي الحارثي، الخبير العقاري، أيضاً على أن ارتفاع أسعار العقارات خلال السنوات الثلاث الأخيرة بشكلٍ كبير جداً أمرٌ طبيعي ومنطقي نتيجة زيادة الطلب عليها، وارتفاع التمويل، مقابل انخفاض الأرباح بسبب هبوط سعر الفائدة في البنك الفيدرالي الأمريكي، وضخ معلوماتٍ غير صحيحة، أو مضلِّلة من قِبل العقاريين والمسوِّقين، والترويج لها حول ارتفاع أسعار العقارات في محاولةٍ منهم لرفع الطلب على شرائها، ما أدَّى إلى زيادة الأسعار بشكلٍ مُبالغٍ فيه، ورفع حجم الطلب على العقارات في كثيرٍ من المدن بهدف الاستثمار طويل الأجل، موضحاً أنه «بعد انتهاء رمضان، شهدنا انخفاضاً في الأسعار بشكلٍ كبير، بل إنَّ الهبوط وصل إلى مستويات غير مسبوقة بنسبة 7.4% في الفلل، و3.5% في الشقق، خاصةً في الرياض، التي تراوح فيها الهبوط بين 10% و15%، وسيستمر في الفترة المقبلة»، مبيناً أن المستثمرين أسهموا في هذا الارتفاع بحثاً عن تعزيز أعمالهم، في حين يشتري المواطن العادي بالقروض وليس نقداً، ويحصل على هذه القروض برهن راتبه، وقال: «إذا فرضنا أن متوسط راتب الأشخاص محدودي الدخل يتراوح بين 10 و15 ألف ريال، سنكتشف أنهم لا يستطيعون تملُّك عقارٍ، يصل سعره إلى مليونٍ و200 ألف ريال في الرياض، وهذا ما أثَّر على الأسعار، فأصبحت الفلل التي تبلغ مساحتها 300 متر مربع بنحو ثلاثة ملايين ريال، وهو ما يشير إلى أن هناك هرولةً من العقاريين والعاملين في المجال على بيع العقارات وعدم الشراء، لأن الأسعار في هبوطٍ». مضيفاً: «أدَّى الإقبال على شراء الأراضي إلى ارتفاع أسعارها أيضاً، فأصبحت القدرة الشرائية للمواطنين لا تتناسب مع أسعار العقارات الموجودة، لذا يجب وضع آليةٍ للأسعار بعد رفع الفائدة في البنك الفيدرالي الأمريكي».
الهيئة العامة للعقار
في سبيل ضبط سوق العقار السعودي، أعلنت الهيئة العامة للعقار، فرض عقوباتٍ رادعة على الأشخاص غير المرخَّص لهم، أو مَن يدَّعي مزاولة مهنة الوساطة العقارية، حيث نصَّت المادة 18 من النظام على أن من مخالفات أحكام النظام ممارسة نشاط الوساطة العقارية والخدمات العقارية من دون ترخيصٍ، بينما حدَّدت المادة 19 من النظام العقوبات التي تفرض على كل مخالفٍ لأحكام النظام. وتفرض على مَن يخالف أي حكمٍ من أحكام النظام عقوبةٌ، أو أكثر سواءً كان بالإنذار، أو تعليق الترخيص لمدة لا تتجاوز العام، أو إلغائه، أو غرامة لا تتجاوز 200 ألف ريال. وتجوز مضاعفة الغرامة المحكوم بها في حال تكرار المخالفة خلال ثلاث سنوات من ارتكابها.
تحليل سوق العقار
ووضعت الهيئة كذلك ضوابط على تحليل سوق العقار، وخصَّصت ترخيصاً للظهور الإعلامي من أجل الحديث عن العقار، حيث اشترطت الموضوعية والحياد، وعدم التضليل أو التغرير، أو المبالغة في الطرح، والتأكد من دقة وصحة المعلومات، وعدم تضمينها أي معلوماتٍ، أو بياناتٍ مضلِّلة، أو غير متوافقة مع المعطيات والمبررات العقارية التي يؤخذ بها عند تحليل السوق العقارية، وبذل العناية اللازمة والمعرفة النافية للجهالة والأمانة والحرص والاستقلالية المطلوبة منه، وتصحيح الخطأ الواقع في تحليل السوق العقارية في الوسيلة الإعلامية ذاتها التي استخدمها، إما من تلقاء نفسه، وإما بطلبٍ من الهيئة، أو من أي جهةٍ أخرى مختصَّة من دون أن يعفى مقدمها من أي مسؤوليةٍ ناتجةٍ عنها، والإفصاح عن أي تضارب مصالحَ واقعٍ أو محتملٍ، ومزاولة تحليل السوق العقارية وفقاً للأنظمة واللوائح والمعايير ذات الصلة، والامتثال لأحكامها.
ويحظر على مَن يقوم بتحليل السوق العقارية إنتاج ما من شأنه المساس باستقرار السوق، أو الإضرار به، وإفشاء أي معلوماتٍ ذات طابعٍ سري من دون موافقةٍ صريحةٍ من المعني بالتحليل، وإحداث تأثيرٍ من شأنه التسبُّب في إرباك العموم، أو تحقيق مصلحةٍ له أو لآخرين بطريقةٍ تنطوي على غشٍّ، أو خداعٍ، أو تضليلٍ للعموم، وإعطاء أي مقارناتٍ، أو إشاراتٍ قد تسيء لأعمال الآخرين، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية.
تابعي المزيد: الشغف.. ودوره في تحقيق أهداف الشباب