يعيش البعض في نفوس الآخرين أكثر ما يعيشون في نفوسهم، فالشّخص الفضولي يصل لدرجة يرى فيها كل ما حوله علامات استفهام تُثير فضوله ما يضع الآخرين تحت مجهره، ليتقصّى أخبارهم وتحرّكاتهم، وهذا النّوع من الأشخاص يشكّل في أغلب الأحيان مصدر إزعاجٍ لتدخّلهم في شؤون غيرهم، بعض هؤلاء الفضوليين لا يمكن تجنّبهم كالجيران أو أحد أفراد العائلة، والبعض الآخر يمكن تجنّبهم كزملاء العمل أو الدّراسة وعدم إعطائهم أي معلومات أو قد تكون معلومات غامضة كأجوبة عن أسئلة لا تعنيهم أو لا توجد رغبة بالإجابة عنها، كما من الممكن أن تكون تلك إجابات دبلوماسيّة لبِقة توضّح للسائل أنّ التّربية الّتي تلقاها الشّخص لا تسمح له أن يناقش هذه الأمور مع الغير، أو أنّ أجوبة هذه الأسئلة سرّيّة وخاصّة ولا يمكن الإفصاح عنها لأيّ كان، كما يمكن الرّفض الصّريح عن الإجابة، وأنّ هذا ليس من شأن الشّخص السّائل، إذ ينبغي وضع حدود لمثل هؤلاء الأشخاص الفضوليّين وعدم تجاوزها أبداً.
إنّ التّفكير بإجابات جاهزة عن أسئلة محتملة أن تُطرَح على الشّخص، يجعله في موقفٍ آمنٍ بعيد عن الاضطراب الّذي من الممكن أن يحدث بسبب فضول هؤلاء، وأيضاً إعطاء إجابات غامضة لا تفي بغرض الفضوليّ، لكنّها تسدّ رغبته في معرفة الأخبار المخبّأة عنه على ألّا تفوق رغبته رغبة الشّخص في المحافظة على خصوصيّته حتّى لا يعرّض معلوماته للتّناقل بين ألسنة النّاس.
إنّ للفضول نوعان إيجابيّ وسلبيّ، فالإيجابيّ يُعمل فضوله من باب الاهتمام بالشّخص المقابل وأنّه يريد الحديث عما يحدث في حياته ليرتاح نفسيّاً، أمّا السّلبيّ فيشعر بأنّ فضوله يدفعه لمراقبة الآخرين والحصول على معلومات تتعلّق بهم، وبالتّالي يدخل هؤلاء الأشخاص دائرة الحديث والأقاويل ومن ثمّ إشباع رغبة الفضوليّين، علماً أنّ هؤلاء الفضوليّين أنفسهم كتومين على أخبارهم ومعلوماتهم لدرجة لا يستطيع أحدٌ الحصول على معلومة شخصيّة واحدة مخافة أن تصبح أخبارهم حديث الجميع، وخاصّةً إن كانت أخباراً غير جيّدة، أو تؤدّي لضجّة كبيرة في المجتمع محاولين إخفاءها عن المسامع والعيون وكأنّه تمّ دفنها في بئرٍ عميق.
لذا على الإنسان ألّا يكون فضوليّاً ويُقحم نفسه في أمور الآخرين وخصوصيّاتهم حتّى لا يتم زرع الحقد تجاهه في قلوب من حوله، وبالتّالي يكون سبباً في نتيجة لا يُحمد عقباها، فلو تعلّم البشر عدم التّدخّل فيما لا يعنيهم لعاش النّصف الآخر بسلام وخير، ولحظي الجميع بالرّاحة والسّعادة.