إنّ التّدخّل في شؤون الآخرين يُعدّ من السّلوكيّات اللّاأخلاقية، هذا السّلوك الّذي من شأنه أن تكون نيّة صاحبه سيّئة وينوي معرفة الأسرار الحسّاسة والدّقيقة ويتصيّد أخطاءهم ومن ثمّ استفزازهم بما يعرفه عنهم وإزعاجهم بذلك.
إنّ هذا النّوع من الأشخاص وحسب الأخصائيّين الاجتماعيّين يعانون من اضطرابات غير سويّة سواء كانت نفسيّة أو اجتماعيّة ويتّصفون بالسّذاجة، وترتفع لديهم هرمونات السّعادة عند تطفّلهم على خصوصيّات من حولهم واقتحام ظروفهم، ويعود ذلك للفراغ الّذي يعيشه هؤلاء ويملأ حياتهم ويجعلهم يفتقرون للأمن النّفسي والتّقدير الاجتماعي، ما يُشعرهم بالقلق، فلا يجدون مخرجاً إلّا الثّرثرة ونقل الكلام عن الآخرين وللآخرين محاولين معرفة كلّ صغيرة وكبيرة وكلّ خبرٍ بتفاصيله الدّقيقة حتّى وإن كان هذا لا يعنيهم، ما يجعلهم يتلقّون ردوداً قد تكون جارحة أو فظّة ولا ملامة على قائلها، فهم من وضعوا أنفسهم في المكان الخطأ، وأقحموها بأمور لا تعنيهم، فلم يعرفوا حدودهم بل أُجبِروا على معرفتها بطريقة لم تعجبهم، وكما يُقال رَحِم الله امرأً عرف قدر نفسه فوقف عنده، لأنّ من يعرف حدود نفسه ويقف عندها يكون قد عرف قدره بين النّاس فيبتعد عن الكِبر وتتبّع أخبار البشر وتقصّي سلبيّاتهم وعثراتهم، لأنّ الكِبر من كبائر الذّنوب، كما ينبغي إرشاد هؤلاء الفضوليّين وتعديل سلوكهم وتقويمه وتنظيم أفكارهم وعدم مجابهتهم، والعمل على وضع حدود ومساحات معهم، تقيهم وأسرهم من التّدخّلات الخارجيّة والحفاظ على خصوصيّاتهم، ونجد بالمقابل الشّخص الفضولي لا يسمح لأحد باختراق خصوصيّته، أي يسمح لنفسه ولا يسمح لغيره.
إنّ العمل على إصلاح سلوك هؤلاء أو تعديله تقع مسؤوليّته على الجميع انطلاقاً من الأسرة إلى المدرسة والمؤسّسات الاجتماعيّة، وكذلك على وسائل الإعلام أن ترسّخ مبدأ الخصوصيّة، وأنّها أدب من آداب الحياة وعلى الإنسان المحافظة عليه، وقد بيّن رسول الأمّة ذلك بقوله: (من حُسنِ إسلام المرء تركه مالا يعنيه)، أي لا ينشغل فيما لا يعنيه، بل يستثمر وقته وجهده بما يعود عليه بالنّفع كقراءة القرآن وحفظه، وقراءة الأوراد، ما يرفع مكانته عند ربّه وعند غيره وفي عين نفسه، فيشعر براحةٍ نفسيّةٍ كبيرةٍ، إضافةً إلى أنّ عدم التّدخّل في شؤون الآخرين واجبٌ وليس كرم أخلاق، وبالتّالي يسود الاحترام، فإن سقط أسقط معه كل شيء.