جلس التردد على كرسي للعلاج النفسي في أحد المراكز الطبية، فسأله طبيبه النفسي عن مشكلته:
المشكلة؟ لا مشكلة لدي سوى أن البعض يتهمني بالمماطلة المرضية، وأنني السبب وراء حرمانه من السعادة، والمسؤول عن تحول الممكن إلى مستحيل يصعب حدوثه، وأنني أستبدل النعم بكلمة لا والعكس، وأنني صديق للشك، عدو لليقين، وتربطني علاقة غير صحية مع الخوف تؤثر بي سلباً، والجميع يؤكد لي أنه كظلي الذي يتبعني، ولا أتحرك إلا وهو مرافق لي أينما كنت.
أيها الطبيب ماذا أفعل إذا كان الخوف من النوع الطفيلي الذي يأكل الهدوء ويغتصب الراحة ويسلب مني من أحب؟!
أذكر في إحدى الليالي أصابني الحنين للقاء القرار، عدت لذكرياتي معه فلم أجد ذكرى واحدة سعيدة، ولا حتى عادية، جميعها كانت تنتهي بخيبته وخسارتي له، ومن ثم رحيلنا من دون وداع، أحمل أنا حسرتي في اتجاه، ويلقي هو بغضبه في الاتجاه المعاكس، جازمين على ألا نعود أبداً، فعلاقتنا دائمة التوتر تكاد تصل للانفصال التام لولا أنه في كل مرة يسامحني ويمنحني فرصة جديدة.
وماذا يحدث بعدها؟! “سأل الطبيب”.
في قرارة نفسي صدقني أود أن أكون أفضل وأن أمنحه الاستقرار فهو قراري، لكن الخوف يفسد محاولاتي، ويجعلني عاجزاً أمام الاختيار، حينما يقف متربصاً لي في المنتصف، بين السعادة والحزن، بين الإخفاق والانتصار، بين النجاح والفشل، بين الحب والكراهية، بين الانتماء والوحدة، بين الشيء واللاشيء، هكذا يبقى حتى يمنعني من الاقتراب.
وهل واجهت الخوف بهذه الحقيقة؟! هل طلبت منه أن يبتعد عنك؟ أو حاولت أنت الابتعاد عنه؟
في إحدى المرات تجاهلته هو وأحاديثه، واتجهت لأمسك بقراري وأهرب معه إلى البعيد، لكنني عدت والتفت لخوفي فلم أستطع، تركت يد القرار فضاع مني ورحل بلا رجوع، وهكذا كانت آخر ذكرى لي معه، لم يعد لي قرار في شيء أيها الطبيب أنا لا أملك سوى الخوف الذي بات قراري الوحيد.
أنهى الطبيب حديثه مع التردد، وهو يعلم أن حالته تلك مستعصية، ولا علاج أنسب من عزل التردد حتى يبقى بعيداً عن الخوف، لربما ينساه ويشفى منه في أحد الأيام...
“هناك في الحياة فرص وقرارات تنتظرنا أن ننحرف عن المنتصف الذي يسكنه الخوف والتردد”.